مازال مقهى بعرة يحمل عبق تاريخ الفن المصرى الراقى، فقد شهدت جدرانه العتيقة الكثير من الذكريات والحوادث التى تفوح منها رائحة الماضى والفن الجميل . فى مقهى بعرة يفاجئك ضيق مساحتها وكراسيها المتواضعة ومشروباته المحدودة، لكنه يمتاز بالشيشة القديمة التى يفضلها كثيرون، كما أن بعرة بالنسبة للفنانين والكومبارس من افضل الاماكن لقربه من مكاتب الريجسيرات وشركات السينما، ويتوافد على المقهى آلاف من المهتمين بالفن والمهمومين بالعمل فى السينما والدراما والباحثين عن لقمة العيش من خلال ادوار ثانوية قد تكون نقطة انطلاقهم لعالم النجومية ، لكن كيف بدأ هذا المقهى الصغير الذى لا يستطيع اى فنان نسيانه ،او يتهاون فى اهميته كونه بوابته فى يوم من الايام؟ جاءت سيدة الاعمال اميرة صبرة من اقاصى الصعيد - بنى محمد التابعة لمركز ابنوب بمحافظة اسيوط- الى القاهرة وبداخلها احلام الثراء واقامة المشاريع الناجحة، فبدأت بإنشاء مقهى "الكورسال" نسبة الى مسرح "الكورسال" الذى كان ملتقى للخواجات فى اواخر الثلاثينيات والذى يقع فى 19 شارع سليمان الحلبى المتفرع من شارع عماد الدين. لم تكن تدرك اميرة ان مقهاها سيكون احد اهم المقاهى فى مصر ، وبوابة العبور لفنانين كبار ، وبعد افتتاح المقهى كانت الامور تسير بطريقة عادية جد،ا ويرتاده من سكنوا بجواره ، من اجل تدخين الشيشة، واحتساء الشاى او القهوة. جاء اسم مقهى بعرة بالصدفة ، فبعد ان توفت اميرة تولى ابنها "محمد الزناتى" مسئوليته وادارته، حيث كان يطلقون عليه اسم "بعرور" والتى تعنى الجمل الصغير لضخامة قوامه وعرض صدره، واصبح الجميع يردد اسم بعرور ، وفى احدي الليالى جلس الشاب الوسيم رشدى اباظة على القهوة يرتشف قهوته ، ويتصفح الجرائد اليومية، وكانت والدته تدير مكتبا لتأجير السيارات بجوار المقهى ، وكان اباظة دائما يداعب الريس "الزناتى" بتعليقاته الضاحكة ، وفى احدي الليالى وبالصدفة قال رشدى مناديا الزناتى: تعالى يا "بعرة" ، وهنا انتبه الجميع وتعالت اصواتهم بالضحك ، وتداول اللقب بين رواد المقهى، واصبح الاسم يتردد على لسان الجميع ، وشوهد احد المترددين على المقهى يقول "خلينا نروح مقهى بعرة" ومن هنا جاء اسم المقهى الذى اصبح تاريخا فى صناعة النجوم. اشتهرت مكاتب السينما والريجسيرات وشركات انتاج السينما فى شارع عماد الدين مثل شركة "اسيا" التى كانت تمتلكها الممثلة الكبيرة اسيا اشهر منتجة فى تاريخ السينما ، و "على وجدى" و "دالى السعيد "من اشهر واقدم الريجسيرات فى مصر، وكان الممثلون الشباب يأتون الى هذه المكاتب، وبعضهم يحاول الانتظار لحين يأتى دوره فى المقابلة ، ولم يجدوا امامهم غير المقهى الصغير، وبدأت الحركة تدب فى المقهى من فنانين وكومبارس فى انتظار الريجسير، لينعم عليهم بمشهد او دور صغير ، وتحول هاتف مقهى "بعرة "الى سنترال كبير يتم من خلاله التنسيق لراغبى العمل فى الفن عن طريق الريجيسير، بالاتصال بالمعلم "زناتى" لمعرفة اعداد الكومبارس بالمقهى، كما كان زناتى يساعدهم فى اختيار الكومبارس. كان قهوة "بعرة" على موعد مع التاريخ واسمه بدأ يتداول بين صناع السينما واصبح ملتقى لهم من ماكيير وكوافير والاخراج والتمثيل ،واستطاع ان يمتلك البوابة الحقيقة لنجوم الفن فقد ارتاده أشهر نجوم السينما فى بداياتهم فقد كانت احلامهم تتحقق فى الظهور بمشهد او مشهدين ، ولو ضاقت بهم الحال يضطرون للظهور فى مجاميع الكومبارس، ومن اشهر الفنانين الذين ارتادوا "بعرة" انور وجدى، وتوفيق الدقن، ويوسف شعبان ،وعادل امام، ومحمد هنيدى، ومحمود حميدة، واحمد زكى، ونور الشريف، وحسين الشربينى. وعن ذكرياته مع المقهى يقول طارق الزناتى- مالك المقهى الآن: زمان كان "بعرة" ملتقى لكبار الفنانين والكومبارس وكل صناع السينما ، ولكن بعد وفاة والدى أهملنا المقهى ولم نقم بتحديثه، وكنت اتمنى ان اضعه فى ابهى صورة كما تركه، وإنما الظروف كانت اقوى منى، ولكن فى القريب العاجل سأقوم بعمل تجديدات له وسأضعه من جديد فى بؤرة اهتمامى. وعن شكل المقهى الآن وكيفية إتاحة فرص عمل للكومبارس به اكد طارق ان الكومبارس يأتون الى المقهى فى السابعة مساء حتى الساعات الاولى من الصباح يوميا من جميع انحاء الجمهورية ، علاوة على الرواد الموجودين بصفة دائمة فى المقهى، ومعظمهم ينتظرون على امل ان يأتى اليهم الريجيسير بفرصة عمل ، وبمجرد وصوله يتهافت عليه جميع الكومبارس ويتصارعون من اجل الفوز بعمل فى السينما او الدراما، ولقد اعتدنا على هذا المشهد منذ ايام والدى رحمه الله ، واحيانا نقوم بمساعدة طلبة المعهد العالى للسينما بتصوير مشاريع تخرجهم، وعن الاعمال التى قدمت فى المقهى، اضاف طارق: هناك اعمال عديدة صورت بالمقهى مثل مسلسل " اغلى من حياتى " للفنان محمد فؤاد وغيره من الاعمال التى لا اتذكرها لأن معظمها قديم جدا. ويتذكر طارق أحد المواقف قائلاً: اثناء تصوير بعض المشاهد لاحد الافلام حدث تغيير فى الديكور فأسرعت ونبهت المخرج ان هناك قطعا من الديكور تغيرت، وبعد مشاهدة المشهد قام المخرج بوضع قطعة الديكور فى مكانها الصحيح، ولا انسى مقولة وحش الشاشة الفنان الكبير فريد شوقى عندما يأتى إليه فنان جديد يقوم بسؤاله" انت بعراوى ولا اكاديمى" وهنا بعراوى نسبة لمقهى بعرة ، لأن زمان كان السؤال الدارج فى السينما انت جاى منين من مقهى بعرة ام من اكاديمية الفنون. ويضيف: المقهى كان له الفضل فى تغيير مسار فنانين، وكان "وش السعد "عليهم ، امثال المخرج سيد فضل الذى بدأ كمساعد مخرج والمخرج الكبير سيد الحمصانى الذى بدأ بالعمل كمساعد مخرج مع نيازى مصطفى وبركات ايام "الابيض والاسود". وعن اشهر الكومبارس الموجودين فى المقهى الآن يقول هم: مطاوع عويس وحسن كفتة الذى يبلغ من العمر 07 عاما، والذى بدأ مشواره كومبارس فى فيلم "العيش والملح" كما ظهر فى فيلم " اصحاب ولا بيزنس" ومعظم افلام محمد سعد واصبح التيمة التى يتباركون بها فى الافلام، والى الآن يصارع من اجل الظهور فى مشاهد سينمائية او درامية.