خلف بوابات أقدم مساجد مدينة ملوى "العسقلانى"، حيث تُصارع مساجد عريقة ومبان تاريخية على البقاء وسط مد حداثة القرن الواحد والعشرين، تلك المنطقة التي تزخر بأهم الحرف اليدوية والتي من أشهرها "حرفة النحاسين" التي تضائل عدد الصناع والعاملين بها والذي تجمعهم الهموم والمخاوف من اندثار تلك المهنة التارخية في ظل عدم اهتمام من المسئولين. وفور سماعك لأصوات "الجواكيش" تتيقن من وصولك للموطن الأصلي ل" حارة النحاسين"، لتشاهد ملامح يوميات العشرات من العاملين العاكفين على صناعة وتسييح النحاس وتشكيله. حارة النحاسين ففى بدية دخولك ل "حارة النحاسين "، تجد عمال فصل النحاس من الخردة، فيقول أحد العاملين بالمنطقة والمخصصون في فصل النحاس: إن هناك رحلة طويلة، يقطعها كيس المهملات الملقى أمام باب شقتك، تبدأ من مرحلة التقاط القمامة في عربات ومرورا بفرزها ثم تجهيزها في ورش إعادة التدوير وصولا إلى بيع الخردة سواء من حديد أو بلاستك أو نحاس إلى التجار، مضيفا: "نحن هنا نستقبل خردة النحاس لنبدأ عملية الفصل بطرق بدائية جدا، الجاكوش والمرزبة واستخدامها في تصنيع المنتجات النحاسية المختلفة وأكثرها صناع الشيشة". " الشيشة النحاسية.. أشهر الصناعات " رغم أنها مدمرة للصحة، وتسبب الوفاة، لأنها ركن من أركان التدخين، إلا أن صناعة "الشيشة النحاسية " ما زالت مستمرة في حارة النحاسين، وتتعبر ركن أساسى في هذه الحارة. في البداية يقول الحاج محمد، أشهر مصنعى شيش النحاس في مدينة ملوى، أن صناعة الشيشة الواحدة تستغرف يوما ونص يوم، حتى تخرج الشيشة بهذا الشكل، ففى البداية أقوم بتسييح النحاس تحت درجة حرارة عالية، وأثناء عملية تسييح النحاس أقوم بعمل " قوالب" لقعدة الشيشة الجزء الأسفل والأهم في الشيشة، والتي يطلق عليها عامة المستخدمين ب" القلة النحاسية "، وأنتظر للحظات قليلة وأقوم بكبها في القالب وأتركها لتبرد ثم أنظفها جيدا وأبدأ في عملية التسييح مرة أخرى لعمل " عامود الشيشة "، فمن الممكن أن أقوم بعمل عمود الشيشة من النحاس أو من الخشب كما يطلب صاحب الشيشة، ورغم كبر سنى فأنا متمسك بأن أقوم بهذه الصناعة بنفسى، لأن الصنايعى في هذه الأيام يطالبنى بأجر يومى 50 جنيها، مستطردا:"أقوم ببيع الشيشة الواحدة ب 300 جنيه نظرا لارتفاع سعر النحاس الذي تأثر تأثيرا كبيرا بارتفاع سعر الدولار". الأطفال وعندما تدقق النظر في عمال فصل النحاس والحديد، تجد أطفالا يتوارثون المهنة عن آبائهم، فتجد الطفل " أحمد " صنايعي ورشة، صاحب ال 9 سنوات يقول:"ورثت هذه المهنة أبا عن جد وشاهدت أمام عينى كيف يحترفون المهنة، شاهدت العديد من العاملين منذ صغر سنى كيف يقوموا بفصل المعدن عن النحاس"، مؤكدا أن المهنة تكاد تكون وراثية تتناقلها الأجيال ولا يدخلها آخرون لأنها مهنة شاقة تحتاج إلى صنايعي شاطر يبدأ العمل من سن 3 سنوات. الصين قتلتنا بالسكاكيين لتخرج من النحاسين إلى صناع "حلقات الحيوانات"، ويقول عم " حسين الشافعى " الرجل الستينى الذي ترك صناعة السكاكين بعد أن أمطرت الصين ب" السكاكسن الصينى "، التي وقفت العمل نهائيا لصانعى السكين المحلى:"ثوارثتا تلك المهنة الصعبة عن والدى، ففى البداية كانت لصناعة السكاكين رواجا كبيرا في محافظة المنيا عامة وملوى خاصة، وكانت تضر علينا دخلا كبيرا، وعندما بدأت الصين تطرح في الأسواق المصرية السكين الصينى، فعلا الصين قتلتنا بالسكاكين، ومن هنا توجهنا إلى صناعة حلقان الحيوانات ".