فى عيد «السد» الذى كان الفراعنة يحتفلون به، كان يتم قتل الملك الذى أمضى فى الحكم ثلاثين عاماً، ليأتى ملك جديد يتمتع بالشباب والحيوية والقدرة على حكم البلاد والنظر فى شئون العباد، ولأن «مبارك» قضى فى الحكم 30 سنة فقد ثار المصريون فى 25 يناير وخلعوه هو وعصابته، لكن من يدري، ربما استبدلوا بفرعون آخر! ويمثل الملك أو الفرعون في مصر القديمة محور كل شيء فهو طبقاً لما يقوله د. محمد إبراهيم بكر -رئيس هيئة الآثار المصرية الأسبق- ممثل لإرادة الإلهة، وتوجد جملة قديمة محفورة على المعابد المصرية تقول بأن الكون يضطرب عند خلو العرش من ملك ينفذ مشيئة الرب، فهو المتحكم بالدولة وهو ابن الإله وممثله على الأرض. ولما كان الملك أو الفرعون هو محور الدولة المصرية القديمة كان لابد وأن تتمحور الأعياد السياسية حوله، حيث احتفل المصريون القدماء طبقاً لما وجد على المعابد بثلاثة أعياد سياسية هي عيد مولد الفرعون، وعيد جلوسه علي العرش وعيد السد وهو عيد لم يحتفل به المصريون كثيراً، حيث يمثل هذا عيد جلوسه الثلاثين على العرش. وكانت أول الاحتفالات هي عيد مولد الفرعون حيث كان يتم الاحتفال بهذا العيد بتلاوة صلوات خاصة في المعبد لإطالة عمر الملك ومحو خطايا هذا العام، وينتقل الملك عبر موكب ضخم من القصر إلي المعبد، يعقبه احتفال شعبي ضخم عبارة عن أسواق ضخمة للترفيه من ألعاب ورقص، وكذلك ساحات ضخمة للطعام. أما عيد جلوس الفرعون على العرش هي تلاوة صلوات خاصة، وتجرى طقوس دينية متوارثة، وقد حرص فراعنة الدولة الحديثة على أن يظهر الفرعون في هذا العيد على رأس موكب عظيم يحمل الكهنة فيه تمثال الفراعنة مينا موحد القطرين ومنتحوتب الأول معيد الوحدة ورأس الدولة الوسطى وأحمس محرر البلاد من الهكسوس ومعيد وحدتها ورأس الدولة الحديثة. ومن ضمن الطقوس التي كانت تتبع في هذا الاحتفال تتويج الفرعون بظهور كاهنين يرتديان قناعي حور وست يقودان الملك ليغسلاه ويطهراه ثم يقدماه لبقية الآلهة ثم يوضع على رأسه التاجين الأبيض والأحمر ثم يتم الطواف حول الجدار الأبيض وهو الجدار الذي بناه الملك مينا عندما شيد منف وكان هذا الطقس الذي أطلق عليه المصريون الطواف حول الجدار يكرر من حين لآخر ولعله يرمز إلى حيوية الملك وقوته وقدرته على حراسة البلاد والدفاع عنها. واحتفالا بذكرى توحيد القطرين ولتوكيد السلطة الملكية عليها وتأكيد مركزية الحكم كان الفرعون يحتفل عند تتويجه بذكرى اتحاد القطرين سما تاوى فكان يجلس في حلة ملكية فاخرة على عرش أو منصب يجاورها وتد مغروز في الأرض وكانت تربط حول هذا الوتد حزم من بردى الدلتا ومن لوتس الصعيد فعندما يعتلى الملك عرشه يربط نباتي القطرين حول الوتد ثم يطوف الملك طواف الحيوية والنشاط حول الجدار الأبيض وهكذا كان يتوج الملك. أما العيد الثالث فهو عيد السد وهو العيد الثلاثيني لجلوس الملك علي العرش حين كان القوم يرون في الحاكم قوة تهيمن على مظاهر الطبيعة وترتبط بها بحيث يتحتم عليهم التخلص من الحاكم بعد مرور 30 سنة على حكمه وذلك بقتله حتى لا تتأثر مظاهر الطبيعة بشيخوخته وضعفه فتقل المحاصيل ونتاج الماشية وإحلال شاب قوى صحيح الجسم خال من مظاهر الضعف في مكانه. وترى الباحثة في التاريخ الفرعوني نجوى مسلم أن الملك كان يعد ابنا للإله ومن ثم إلها بنفسه، وكان الناس يتحاشون ما استطاعوا ذكر الاسم المقدس للملك، وبدلاً عنه كانوا يقولون مثلاً الإله أو الحاكم أو على الأخص جلالته كذلك كان الملك يلقب بالإله الطيب، وبعد موته كان يشار إليه بأنه الإله العظيم. وقد برزت عقيدة تأليه الفراعنة منذ العصر القديم، فادعي الملك أنه الابن الشرعي لإله الشمس "رع". وتمكن بذلك من أن يتباعد بنفسه عن أن يكون من البشر وأن يكون منتسبا لأي جزء من أجزاء مصر، وبذلك انتفت حجة الوجه البحري في معارضة أن يحكمه رجل نشأ وانتسب إلى الوجه القبلي. ولتأكيد انتساب الفراعنة إلى الآلهة لجأ الكهنة، في بعض العصور، إلى تجسيم هذه البنوة وتصويرها في صورة بنوة مادية حقيقية، وطبقا لهذه العقيدة كان إله الشمس يتقمص جسد الملك الحاكم، ويدخل من يضاجع مع الزوجة الأولى العظيمة فينجب البذرة الإلهية التي تصبح فيما بعد الفرعون المقبل. وطبيعة الملك الإلهية هي أساس سلطته المطلقة، فإذا كان الملك إلها وجب ألا تكون لسلطته حدود، فهو يملك كل شيء وهو قادر على كل شيء، لكن هذه الطبيعة الإلهية، وأن منحت الملك سلطة مطلقة، تحمل بين طياتها تقييدا من نوع خاص لهذه السلطة، فالعدل من صفات الآلهة وإذا كان الملك إلها وجب أن يكون عادلا. د. محمد بكر يرى أن إرجاع الديكتاتورية إلى العصر الفرعوني هو محض افتراء، مؤكداً أن نظام الحكم في العصر الفرعون لم يكن يختلف عن باقي دول العالم، فالحاكم المطلق كان موجوداً في أغلب دول العالم في هذا التوقيت عدا أثينا وروما كما أن تأليه الحاكم لم تكن فكرة مجردة لمصر، مشيراً إلي العديد من الشعوب عرفت تأليه الحكام في هذه الفترة بل أن عددا من الشعوب ظلت تؤله الحاكم حتى فترة قريبة ومنها اليابان التي كانت تؤله الإمبراطور حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.