جاءت والدمعة فى عينيها تسيل كأمطار على وجنتيها، بوجهها النحيب وجلبابها المرقع لكى تختبئ فى عباءتى وقالت بصوت نحيل يشبه جسدها سوف يقتلوننى سوف يذبحوننى فتمهلت فى الكلام معها وقلت لها: ماذا بكِ يا بنت أخى من الذى يقدر أن يؤذيك وعمك معك، فقالت وصوت الرعب يملأ جوفها: أبى وأمى. فتعجبت بسخرية منها فقلت لها: هل كنت تحلمين يا فتاة؟ قالت: حتى أنت يا عمى تستهزئ بى؟ فأحسست أنى قد خيبت آمالها فأظهرت لها الجدية فى تعاملى مع الموضوع وقلت لها: أحكى لى ماذا حدث فقالت: ليلة أمس كنت جالسة أنا وأمى تمشط لى شعرى مثل كل يوم ثم أتى أبى من عمله باكرا فقمت حتى أسلم عليه ولكنه دخل إلى غرفته مسرعا مناديا على أمى بصوت حازم فهرولت إليه وظللت منتظرة أبى وأمى لكن كان قد قتلنى الفضول فتلصصت من شباك غرفتى الذى يطل على غرفتهما وسمعت ما لا أريد أن أسمعه أبدا. فقد تحدث أبى مع أمى قائلا (البنت كبرت ولازم تروح زى بنت عمها ماراحت إحنا مش ناقصين مصايب وكمان مش عايز حد ياكل وشى مش كفاية مخلفة هَم ورايا) سمعت هذا الحديث وتساءلت يا ترى إلى أين سوف أذهب؟ ولماذا يلقبنى أبى دوما بالهَم؟ وسمعت توسلات أمى حتى لا أذهب ولكنها انتهت كالعادة بتطبيق فرمان أبى لكن إلى أين سوف أذهب؟ ذهبت إلى غرفتى وعشت ليلة لا أنساها كدت أن أجن من كثرة التفكير يا عمى. وفى الصباح أخذنى أبى فى حدة وصرامة وابتسامة عريضة يطلقها فى وجه أمى التى نسج القلق خيوطه على وجهها لكى يطمئنها أننى سوف أرجع بخير فذهبت مع أبى وفوجئت أنه يدخل بى عيادة. هل والدى كان تعبا لذلك رجع الأمس باكرا؟ لكن رأيت يا عمى ما لم أره فى حياتى قط. امرأة تبدو من شكلها كأنها مُغسلة وليست مُمرضة فأخذتنى من يدى ودخلت بى غرفة بها بنات من سنى أو أصغر منى تقريبا ورأيتهن يذبحوننا.. يقتلون براءتنا.. يخنقون طفولتنا باسم (الختان) وصرخات البنات التى مثلى تنطلق الأخرى تلو الأخرى فى مذبحة عارمة.. فصرخت قبل أن يأتى الدور علىّ وأخذت بالفرار وأسرعت إليك يا عمى.. ماذا يحدث؟... أجبنى يا عمى ماذا يحدث؟... فقلت لها: اهدئى يا ابنتى إنه الجهل بدأ منذ أكثر من مائة عام.... وما زالت الدموع تسيل على وجه مثل وجهك البرىء.....