كفاح من أجل تراب الأرض الزراعية وقطرة مياه الرى، وإثبات الوجود على قطعة من هذه الأرض لتنتج الخير والنماء لكل البشر سواء كان من يملك الأرض أو من تملكه الأرض.. مشوار طويل سار على دربه الفلاح المصرى منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، ومن أجل تدارس أحداث الماضى ومعضلات الحاضر وتدارك أخطائهما من أجل مستقبل أفضل لأولادنا من ماضى أجدادنا وأسعد من حاضر أجيالنا .. يتبين لنا أن الزراعة كانت ولا تزال هى النشاط الأول لأغلبية السكان، والمنتج الأول للغذاء، والمصدر الرئيسى للمواد الخام الممولة للصناعات القائمة حتى تطورت ملكية الأراضى الزراعية فى مصر، وهو دليل على عظم أهميتها منذ القدم كانت رهناً بإرادة الحاكم أياً كانت صفته يديرها بشكل احتكارى باسم الدولة، كصورة لرأسمالية الدولة،ثم انتقلت ملكيتها للأفراد الذين كانوا الإرهاصات الأولى لتكوين طبقة أثرياء الريف والإقطاعيين، وبالنظر إلى الثمن الذى دفعوه لكى يتمكنوا فى نهاية المطاف من امتلاك ليس الأرض فقط بل أيضا زمام البلاد ورقاب العباد كتابعين لأسيادهم الذين منحوهم الملكية والسيطرة، ثم تنتقل إلى الدور الذى لعبه ضباط 23 يوليو 1952، فى محاولة إعادة تنظيم ملكية الأرض الزراعية، وتحديد حد أقصى لأول مرة فى التاريخ المصرى للملكية. وما واكب ذلك الأمر من قوانين تهدف إلى الارتقاء بالزراعة والرى، وتمكين الفلاحين الأجراء والتدخل فى عمليات توفير مدخلات الإنتاج الزراعى، وتنظيم التسويق بآليات مختلفة حسب ظروف كل مرحلة. وفى أعقاب المرحلة الناصرية تأمل المهمومون بالشأن الزراعى أن تتولى الدولة علاج الثغرات والسلبيات التى شابت قوانين الإصلاح الزراعى الناصرية وتطبيقاتها، والبناء على ما أنتجته من إيجابيات، تحقيقاً لمزيد من التمكين للفلاحين وسماع صوتهم وإشراكهم فى إدارة شئونهم وفى الشأن العام. ثم جاءت خيبة الأمل الزراعية بل والوطنية فى ظل غياب الحكم الرشيد وهيمنة عصابات الحزب الوطنى المنحل وقياداته ورئيسه، وكيف أنهم أهدروا كفاح مئات السنين وعادوا بالفلاح المصرى بل وبالوطن إلى أسوأ عهود الفقر والظلم والاستبداد والفساد واللصوصية والنهب. فخسر الفلاح أرضه، وإرادته، وكرامته، وعرف طريقه إلى السجون مدينا بأرضه، بعد أن كان ميسور الحال مرفوع الهامة بأرضه أيضاً. تاريخ من المؤامرات تاريخ من المؤامرات على الزراعة والفلاح المصرى يرصدها مركز الأرض لحقوق الإنسان متمثلة فى سياسات البنك الدولى فى مصر، وبهدف التعرف على مغزى سياسات البنك الدولى على الزراعة المصرية كشف المركز عن الدور السلبى لمشروعات البنك وتأثيراتها الضارة على قطاع الزراعة وحقوق صغار المزارعين، وفى إشارة إلى تناقض أهداف البنك الدولى بتقليل الفقر وسياساته وممارساته التى تؤدى لتزايد عدد الفقراء، كما أنه المستفيد الوحيد هو عدد قليل من رجال الأعمال خاصة المقربين من السلطة وأصحاب النفوذ. وبالرجوع إلى تقارير البنك الدولى ومؤسساته المالية نجد أنها كانت تبشر بأن تحرير الأسواق سيحقق النمو فى مصر وهو ما يعمل بدوره على تحسين أوضاع الفقراء على المدى البعيد، ولكن التجربة العملية وبعد مرور أكثر من ربع قرن أثبتت العكس .. فظهر التدهور فى توزيع الدخل وازدياد حدة الفقر مع التفاوت فى توزيع الدخول مرتبطاً بتفجر المديونية المحلية والخارجية وما يصاحبه من تفجير حدة البطالة وانهيار قيمة العملة الوطنية وإغراق الأسواق بالسلع الترفيهية وعجز المصانع المصرية عن المنافسة وتعثر المشروعات وهروب الاستثمار، وأكثر هذه النتائج خطورة هو تصدر مصر لقائمة الدول الأكثر اقتراضاً فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبالرغم من خطورة الاقتراض المصرى دون حساب التأثيرات العسكية للقروض على عملية التنمية وحرية القرار السياسى فى مصر، فهناك مخاوف من مضى الحكومة المصرية فى هذا المسلسل برغم النتائج الكارثية التى ألحقت بالزراعة المصرية. وقد أوضح التقرير أنه برغم مزاعم البنك الدولى حول فوائد المشروعات التى مولها بقروض خلال الفترة من 1990 وحتى عام 2007 فى مصر وأنها حققت أهدافها الإنمائية بل وفى بعض الأحيان تجاوزت المستهدف فى قطاعى الزراعة والرى، فعادت بالنفع على نحو أكثر من 790 ألفا من صغار الفلاحين بزيادة دخولهم الزراعية السنوية، إضافة إلى تعزيز التخطيط المؤسسى والقدرات التنفيذية لوزارة الرى والموارد المائية فى قطاع الرى .. وبرغم كل هذا فإن الواقع فى مصر يؤكد عكس تلك المزاعم التى يروجها البنك الدولى لإغراء الحكومة المصرية نحو مزيد من الحصول على القروض منه أملاً فى تحسين البنية التحتية الزراعية ومساعدة المزارعين خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة منهم. التقرير أوضح أن سياسات البنك الدولى ساهمت فى زيادة البناء على الأراضى الزراعية وعدم الاكتفاء الذاتى من الغذاء خاصة القمح، إضافة إلى التوسع فى الحصول على القروض بالتوازى مع ضعف المنافسة فى الأسواق المحلية والدولية فى الإنتاج الزراعى والصناعى. وبالرجوع للثمانينيات وفيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التى اتبعتها الحكومة والتى نتج عنها تحرير أسعار المحاصيل الزراعية وإلغاء التوريد الإجبارى ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعى والقروض الزراعية، وتحرير الأرض الزراعية بقانون العلاقة الإيجارية مما أدى إلى طرد مئات الآلاف من المستأجرين وزيادة إيجارات الأراضى الزراعية والتعدى على حوالى خمس مساحة الأراضي الزراعية بالبناء عليها، هذا بجانب المشروعات الممولة من مجموعة البنك الدولى فى قطاع الزراعة والرى خلال الفترة من 1990- 2007 خاصة مشروعات غرب الدلتا ودعم شركة «الأندو مصرية» للأسمدة وتنمية المناطق الريفية بسوهاج وإعادة تأهيل محطات الصرف ومشروعات شرق الدلتا وتحسين طرق الرى والمشروع القومى للصرف بما قيمته 600 مليون دولار .. وقد أكد التقرير فى النهاية على أن البنك الدولى فقد مصداقيته وانحرف عن تحقيق أهدافه فى تقليل الفقر الأمر الذى يستدعى مواجهة هذه السياسات فى مصر وذلك من خلال التعرف على المشاريع التى ينفذها البنك والأضرار التى تترتب على تنفيذها. أزمة أسمدة بحلول عام 2030 يتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى ثمانية مليارات نسمة، وعندها سيكون اثنان من كل ثلاثة أشخاص ضمن أعداد الجياع، ومن هنا اتفق العلماء والباحثون على الطريقة التى يجب أن تتطور من خلالها الزراعة، وبما يحتم خلال عقدين تحقيق زيادة فى إنتاج الأغذية بنسبة تفوق 60% عما هى عليه الآن .. والجديد فى الأمر أنه من المتوقع أن تكون البلدان النامية مصدر لمعظم هذه الزيادة المنتظرة فى الإنتاج من خلال تكثيف الزراعة . ومن المعروف أنه ومنذ قرن مضى استخدم المزارعون فى العالم نحو 17 مليون طن من الأسمدة الكيماوية فقط لتسميد أراضيهم، واليوم يستخدمون ثمانية أضعاف هذه الكمية. وعلى عكس ما يزعم من وجود أزمة فى السماد الزراعى فقد كشف مؤتمر «الأسمدة في مصر الأزمة والحل» الذي نظمته الجمعية المصرية لمنتجي الأسمدة عن عدم وجود أزمة في إنتاج الأسمدة مطالباً المنتجين في مصر بضرورة إعادة النظر في منظومة التوزيع والرقابة علي الأسمدة الأزوتية بما يتفق مع توفير الاحتياجات الأساسية بالسوق المحلي من الأسمدة مع أهمية تضافر الجهود للقضاء علي الأزمة المفتعلة للأسمدة في مصر والتي يصل إنتاجها السنوي نحو 18 مليون طن ولا يتعدى الاستهلاك المحلي 9 ملايين طن سنويا. ومع كل هذا مازالت تعتبر أزمة الأسمدة في مصر أحد أهم الأزمات التي تتكرر كل عام وتختلف حدتها من عام لآخر، حيث تكمن خطورة هذه الأزمة في ارتباطها بشكل مباشر ووثيق بأحد القطاعات المهمة في الاقتصاد الوطني، وهو قطاع الزراعة بالإضافة إلى آثارها على السلع الزراعية كماً ونوعاً، عرضاً وطلباً. والسؤال الذي بات يطرح نفسه: كيف تحدث أزمة الأسمدة الكيماوية في مصر على الرغم من أن الإنتاج يعتبر ضعف الاستهلاك تقريباً؟ كما أن التعامل مع أزمة الأسمدة الكيماوية في مصر بشكل عام كان يسير دائماً وفق قرارات بعدية أي بعد حدوث الأزمة وتفاقمها وزيادة حدتها، ولذا كان الأحرى على الحكومة أن تتخذ عدة إجراءات لعلاج هذه الأزمة المتكررة الحدوث عاما بعد آخر، إضافة إلى العمل على إصدار قانون ينظم التعامل في السلع الأساسية أو إعادة النظر في القانون القائم حالياً رقم 163 لسنة 1950 ومعاقبة الخارجين عليه. وقد أشار تقرير مركز الأرض إلى أن حصة بنك التنمية والائتمان الزراعي من الأسمدة الكيماوية التي تصل إلى 35% من الإنتاج الكلى المحلى يتم التلاعب فيها من قبل موظفي البنك في ظل عدم شفافية قرارات وتعليمات إدارية تؤدى في النهاية إلى عدم وصول السماد إلى المزارعين، كما أن بعض المزارعين يشكون من تجاوزات تتم في تعامل البنك معهم مثل ربط شراء أنواع أخرى من الأسمدة والبذور والمبيدات التي لا يحتاجها المزارع بشراء الأسمدة الكيماوية التي يحتاجها. وأزمة الأسمدة أهم أطرافها بنك التنمية والائتمان الزراعي بجميع فروعه ال 1200 فرع والجمعيات التعاونية الزراعية التى تسيطر علي تجارة الأسمدة الكيماوية، حيث يسيطر البنك على 35% من إنتاج الأسمدة الكيماوية في مصر ومثلها للتجار والنسبة الباقية 30% للجمعيات الزراعية. والطرف الثانى فى تلك الأزمة هى الحكومة حيث ارتفعت أسعار شيكارة الأسمدة من النترات لتصل إلي 130 جنيها بدلا من 75 جنيها واليوريا يصل سعرها 180 جنيها بدلا من 77 جنيها، على الرغم من القرار الذي أصدرته وزارة الزراعة مؤخراً بطرح نحو نصف مليون طن لمواجهة تزايد الطلب، إلا أن هذا القرار لا فائدة مرجوة منه، حيث ازدادت الأزمة في اشتعالها، علماً بأن مصر تنتج حوالي10 ملايين طن أسمدة أزوتية سنويا، وفي الوقت الذي لا يتجاوز فيه الاستهلاك 8.5 مليون طن فقط. فتلك الأزمة تتكرر سنويا مع بداية موسم الصيف، الأمر الذي يجعل الحكومة تلجأ