كتبت خطاباً للسادات فرد برسالة تحمل الكثير من الحب ذات يوم خرج الطفل الصغير من منزله قاصداً مدرسته فإذا به يرصد تجمعا بشرياً من بنى قريته بالقرب من دار أحد التجار المعروفين بالبلدة، فسأل فى براءة عن السبب وساعتها علم أن الرجل يمتلك مذياعاً «أى راديو» وقد تجمع الناس لديه حتى يستمعوا إلى صوت القارىء الشهير وابن بلدهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، فجلس الطفل فى الصفوف لا ليستمع فقط بل لشيء فى نفسه! إنه الشيخ أحمد الشحات أحمد الرزيقي، أمين عام نقابة القراء، وقارئ مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة سابقاً والذى ، ولد يوم 12/2/8391م بقرية الرزيقات مركز أرمنت بقنا وتوفى عام 5002م. لحظات وانطلق صوت المذيع معلنا عن اسم القارىء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وإذا بالجميع وكأن الطير على رءوسهم لا ينطق اللسان، ولكن القلوب تهتف وتتراقص طرباً واستحساناً لابن بلدهم حسن الصوت، وبعد انتهاء التلاوة تبادل الحاضرون فيما بينهم عبارات التهانى والفخر والسرور، وانصرف الشيخ أحمد من بينهم دون أن يشعر به أحد، ليغير طريق حياته كلها قبل أن يغير طريق الوصول إلى المدرسة! اتجه الصغير إلى الكتاب مباشرة، وألقى السلام على الشيخ واستأذنه فى الجلوس بين أقرانه، وظل يتردد على الكتاب لمدة أسبوع دون أن يعلم أحد من والديه ولكن المدرسة أرسلت خطاباً بمدة الغياب الطفل عن المدرسة، فتعجب والده، لأن ابنه يخرج من البيت إلى المدرسة فى الموعد المحدد ويعود بعد انتهاء اليوم الدراسى فانتظر الشحات ابنه ليفهم الأمر ولما عاد الشيخ أحمد إلى المنزل ككل يوم سأله والده أين كنت الآن؟ فرد الصغير على والده بفلسفة وأسلوب لا يصدق أحد أن طفلاً يتحدث به: ولماذا لم تسألنى منذ تغيبت إلا اليوم؟ فقال له والده: لأننى كنت معتقداً أنك ذاهب إلى المدرسة وعائد منها إلى أن وصلنى إنذار بغيابك! فقص الابن على والده ما حدث فاحتضنه أبوه وقبله وقال له: يعنى أنت اتخذت القرار من نفسك قال: نعم فشجعه على ذلك وفرح به جداً، وسأله عما حفظ من القرآن، فقرأ عليه، فدعا له بالتوفيق وأقره على ذلك. وانتقل الشيخ الرزيقى من كتاب الشيخ محمود إبراهيم كريم الذى قام بتحفيظه القرآن وعلمه حكايات من القصص الدينى الذى يروى حياة الصحابة رضوان الله عليهم، وعلمه بعضاً من الفقة والسنة والتاريخ الإسلامي، وجزءاً من حياة النبى صلى الله عليه وسلم، ثم انتقل إلى معهد تعليم القراءات ببلدة أصفون المطاعنة القريبة من قريته الرزيقات، حيث تعلم التجويد والقراءات السبع وعلوم القرآن. ولم تتوقف الموهبة الفذة عند هذا الحد، ولكنها حملت صاحبها إلى القاهرة على أجنحة الالتزام والتقدير والاعتزاز بكتاب الله عز وجل، فاشتهر فى العاصمة بين كوكبة من القراء يتنافسون بحب فى لقاءات وسهرات يسودها الحب والتقدير، لأنها كانت سهرات جامعة شاملة، يقيمها كبار تجار القاهرة فى كل المناسبات وخاصة فى المولد النبوى الشريف، ومولد السيدة زينب والإمام الحسين. وكان يصادف أن يدعى اثنان أو ثلاثة فى سرادق واحد، وربما كان من هذه الأسماء الشيخ رفعت والشعشاعى وشعيشع والمنشاوى ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط وغيرهم: فكان من الصعب أن يأتى قارىء من الأقاليم ليفرض نفسه على الساحة غير أن الحظ وحده جعل الشيخ أحمد يسلك الطريق، وينحت فى صخور ليخط له اسماً بفضل الله تعالى. ثم بفضل شيخ مخلص هو المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذى ساعد الرزيقى وشجعه على القراءة بين هؤلاء العمالقة. وأضاف الشيخ الرزيقي: وذات مرة جئت إلى القاهرة وكالعادة ذهبت إلى الشيخ عبد الباسط فقال لي: لن تعود إلى الصعيد: فقلت له: لماذا يا فضيلة الشيخ قال: لأنك ستسهر معى وتقرأ معى حتى تشتهر وتدخل الإذاعة إن شاء الله، وكان يصطحبنى معه فى كل مكان، وقرأت معه فى كل المحافظات حتى ذاعت شهرتي، واستمع إلى كبار المسئولين بالدولة، وأذكر أننى قرأت أمام الفريق سعد الدين الشريف ود.حسن عباس زكى وفريد باشا زغلول والأستاذ نبيل فتح الباب، فأعجبوا بتلاوتى وأدائي، وقالوا حتماً ستكون قارئاً بالإذاعة. وعن حكايته مع الرئيس الراحل أنور السادات قال: الشيخ أحمد الرزيقي: ذات يوم جلست تحت شجرة لأكتب رسالة إلى الرئيس الراحل أنور السادات قلت فيها: الأخ العزيز الرئيس محمد أنور السادات تحية طيبة وبعد.. إنى أكتب إليك هذه الرسالة لا لأنك رئيس الجمهورية ولا على أنك الحاكم، وإنما لأنك شقيق يشعر بآلام أخيه وأما قصتى فهى أننى أتلو القرآن الكريم، وأتقى الله فى ذلك، وأصاحب القرآن منذ طفولتي، وجعلت نفسى خادماً له، فلم يأل القرآن جهداً فى إسداء النصح إلي، وإنى قد ذهبت إلى المسئولين بالإذاعة فقالوا لي: لن تنعقد لجنة اختبار القراء إلا بعد إزالة آثار العدوان، وها نحن الآن وقد تفضل الله علينا بإزالة آثار العدوان، وانتصرنا فى حرب أكتوبر، التى كنت أنت قائدها: فأرجو سيادتكم التفضل باتخاذ ما ترونه من إخطار الإذاعة أن تبعث لى بموعد اختبارى كقارىء بها، وبعد أيام قلائل جاءنى رد الرئيس السادات على رسالتى برسالة تقول: الأخ العزيز القاريء الشيخ أحمد الرزيقى تحية طيبة وبعد.. لقد وصلتنا رسالتكم الرقيقة والتى حملت بين سطورها معانى المحبة والإخلاص.. وقد اتصلنا بالإذاعة فوجدنا طلبكم موجوداً، وسترسل الإذاعة لاستدعائك للاختبار، فأدعو الله لكم بالتوفيق، وأرجو لكم النجاح، وإخطارى بنجاحكم حتى استمتع بالاستماع إليكم.. محمد أنور السادات، وكانت فرحة الشيخ أحمد الرزيقى لا توصف عندما شعر باهتمام الرئيس السادات بخطابه والرد عليه، واعتمد قارئاً بالإذاعة بعد أن أثنى عليه كل أعضاء اللجنة، وحصل على تقدير الامتياز، ليصبح واحداً من أشهر قراء القرآن الكريم بالإذاعة المصرية والإذاعات العالمية كلها. حصل الشيخ أحمد الرزيقى على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديراً لدوره فى خدمة القرآن الكريم كما حصل على العديد من الميداليات وشهادات التقدير ولكن أغلى شهادة وأعظم وسام حصل عليه كما يقول هو حب الناس.