اتسمت خطبه بسهولة الألفاظ وجوامع الكلم وبدائع الحكم كان يُضمن خطبه آيات التقوى، وصح عنه أنه كان يخطب بالقرآن حتى قرأ ذات مرة سورة ق كاملة على المنبر دعا الله ورسوله لإقامة خطبة الجمعة كل أسبوع، وسيلة لترسيخ الأفكار السامية والارتقاء بالقلوب الغليظة، وتعليم مبادئ الدين وأسسه، وهى في ذات الوقت منبر وعظى لتذكير الناس وإيقاظ مشاعرهم الإيمانية وتجديد صلتهم بالله عز وجل وتعميقها، لبناء حياة بشرية قائمة على المحبة والتسامح وهو ما نفتقده الآن، فنحن بحاجة إلى دراسة موسعة لخطب الرسول، لنتعلم كيف كانت خطبه وكيف يمكن التغلب على نقاط الضعف التي نواجهها في الخطب الحالية. أول خطبة روى ابن جرير في السند أن أول خطبة جمعة لرسول الله "صلى الله عليه وسلم"، كانت في المدينة في بداية هجرته إليها ولم يخطب الجمعة في مكّة قبل الهجرة، عندما نزل الرسول بقباء لاثنتى عشرة ليلة من ربيع الأول، حيث بدأ وقتها التاريخ الهجري، وهو ما ذكره القرطبى في تفسيره خطب الرسول. وأقام هناك حتى يوم الخميس وأسس أول مسجد بنى في الإسلام وهو مسجد قباء، ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة، وحان وقت صلاة الجمعة وهو بين قباء والمدينة فاتخذ هناك مسجدًا وجمع الناس وخطب فيهم أول خطبة جمعة في المدينة. أسلوبه وعن الأسلوب المتبع في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر المؤلف صلاح الدين بن محمود السعيد في كتابه خطب أئمة الحرمين الشريفين في الجمعة والعيدين، قائلًا اهتم النبى بجوامع الكلم، وتلألأت من ثنايا كلامه بدائع الحكم، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (بعثت بجوامع الكلم)، وتميزت خطبه وأحاديثه بسهولة الألفاظ، وجودة الأسلوب، وتتفرد بالعبارات القليلة، التي تجمع المعانى العظيمة، بعيدة عن التكلف في الألفاظ، أو الإطناب في العبارات، وقد ثبت عن عائشة رضى الله عنها: "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُحَدِّث حديثًا لو عدَّه العادُّ لأحصاه" رواه البخاري. قصر الخطبة وطول الصلاة وبتتبع منهجه صلوات الله وسلامه عليه في خطبه، نجد أن خطبته كانت تتسم بالقصر دون الطول، بل كان صلى الله عليه وسلم يقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة ) رواه مسلم، فقصر الخطبة علامة على فقه الرجل لكونه مطلعًا على جوامع الألفاظ، فيعبر باللفظ الموجز البليغ عن الألفاظ الكثيرة، فهدى النبى صلى الله عليه وسلم في ذلك هو الاعتدال في خطبته بين التطويل الممل والتقصير المخل، وفى هذا يقول جابر بن سمرة رضى الله عنه: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا، وخطبته قصدًا، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس)، رواه أبو داوود، و(قصدًا): أي متوسطة بين الطول والقصر. كما اهتم الرسول بمراعاة أحوال الناس في خطبته، فتارة يقصر في الخطبة وهو الغالب، وتارة أخرى يطيل الخطبة عند حاجة الناس، كما ورد عنه ذلك في خطبة الوداع، حيث أطال فيها لما كان فيه من المصلحة، واجتماع الناس وتلقيهم. وكان ينتقى في خطبه جوامع الكلم، فيعلم أصحابه قواعد الإسلام وشرائعه العظام، وكان يوصيهم بما يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى وإلى ما أعده لهم من النعيم المقيم في جنته، وينهاهم عما يقربهم من سخطه وناره. الاستعانة بالقرآن الكريم لم تخل خطب الرسول من الآيات القرآنية، كما ذكر كتاب «خطب رائعة سنية ألقيت على منبر خير البرية» للمؤلف عبد الله بن محمد بن زاحم، فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ على المنبر {ونادوا يا مالك} (سورة الزخرف:77)، رواه البخاري، وكان دائمًا يضمن خطبه آيات التقوى، وصح عنه أنه كان يخطب بالقرآن حتى قرأ ذات مرة سورة ق كاملة على المنبر. فعن أم هشام بنت حارثة ابن النعمان قالت: "ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس"، مسلم 873.. وقال الشيخ عبد الله الفوزان:( ظاهر الحديث أن سورة (ق) تقرأ كل جمعة لأن قولها (كل جمعة) صيغة عموم، لكن الظاهر أن هذا محمول على الغالب أو أنه من العام المخصوص، لأنه ورد ما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يلازم سورة معينة أو آية مخصوصة). الاستفتاح بخطبة الحاجة اهتم الرسول بالاستفتاح بخطبة الحاجة، "فكان إذا خطب، .... يقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". أخرجه مسلم 867.. وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: "كانت خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثنى عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته"، رواه مسلم ( 3 / 11 ) وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: "قال كل خطبة ليس فيها تشهد فهى كاليد الجذماء". أبى داود4841 صححه الألبانى (صحيح الترمذى ( 1118 ) إمكانية المقاطعة وكان من كمال هديه صلى الله عليه وسلم أثناء الخطبة، أنه ربما قطعها لحاجة، كإرشاد لأمر معين، أو توجيه أو نصح لمخالف، فقطع خطبته ذات مرة تنبيهًا على ضرورة صلاة ركعتين فعن جابر رضى الله عنه قال: بينما النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذ جاء رجل فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: ( أصليت يا فلان؟) قال: لا، قال: (قم فاركع ركعتين) رواه البخارى ومسلم، وربما قطع خطبته رعاية لشعور الأطفال كما حصل له صلى الله عليه وسلم حينما نزل من المنبر ليحمل الحسن والحسين، وهو ما ذكره كتاب "خطب أئمة الحرمين الشريفين في الجمعة والعيدين". الخطبة قائمًا اعتاد الرسول إلقاء الخطبتين وهو قائم ثم يجلس بين الخطبتين، ولكن لا يتكلم في هذا الجلوس، فعن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: ( رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يقعد قعدة لا يتكلم، ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى) رواه النسائي، وهو ما أكده ابن عمر عندما قال: "كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس". متفق عليه وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا)، البخارى (928). استقبال الناس كان من هديه صلى الله عليه وسلم في إلقاء الخطبة، أنه إذا اعتلا المنبر استقبل الناس وسلم عليهم، ثم يجلس، وبعد أذان بلال، يقوم ويفتتح خطبته بالحمد والثناء على الله سبحانه والتشهد، ثم يذكر الناس بنعم الله عليهم، كما ورد عن البراء بن عازب قال: "... فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم ثم استقبل الناس بوجهه وأعطى قوسا أو عصا فاتكأ عليها فحمد الله وأثنى عليه " أخرجه البيهقى (3/300) وحسنة الألبانى ( صحيح ابى داود ( 4/307) موافقة القلب القول عبرت خطب الرسول عن قلبه، فكان يوافق قلبه قوله، يصف جابر رضى الله عنه حال النبى أثناء الخطبة قائلًا: (كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، ويقول أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ) رواه مسلم.. الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من الأمور المستحبة التي كان يداوم عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة، ما أكده عبد الجليل عبده في كتاب «الخطبة وإعداد الخطيب»، الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فعن جابر بن عبد الله أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجعل يتخطى الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس، فقد آذيت وآنيت. ابن ماجة 1115 -صححة الألباني). ويأمر بالمعروف، كما قال جابر رضى الله عنه: (دخل رجل يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت قال لا قال قم فصل ركعتين)، بخارى 931.. فيجوز للخطيب أن يرشد الحاضرين للابتعاد عن التصرفات التي تؤذى الآخرين خلال الخطبة كلإزعاج بالهاتف أو بالتحدث أثناء الخطبة أو بالعبث بأدوات المسجد، ويأمرهم بالمعروف، كأن يأمرهم بالإفساح والتوسع لإخوانهم الذين لا يجدون مجلسًا يجلسون فيه. كما يجوز تحدث الخَطّيب أثناء الخطبة لأمر عارض كانقطاع مكبر الصوت، أو الكهرباء أو غير ذلك من الأمور العارضة. الدعاء بعد الخطبة وكان إذا انتهى من الخطبة دعا للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، ثم ينهى خطبته بالاستغفار، فلا بأس أن يدعو الخطيب، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أحيانًا في خطبة الجمعة ولم يداوم عليها، وبخاصة إذا نزلت بالمسلمسن نازلة، كالرجل الذي سأل الرسول الجفاف من المطر. وسُئِل أنس رضى الله عنه هل كان نبى الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه؟ قال: قيل يوم الجمعة يا رسول الله قحط المطر وأجدبت الأرض وهلك المال قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه...)، ( صحيح ابن خزيمة (3-145)- صححة الألباني..