الصينى بين 25 و 60 جنيها والمحلى بين 30 و 2500 جنيه صناع الفوانيس هم صناع البهجة الحقيقية، كنا صغاراً ننتظر قدوم رمضان على أحر من الجمر، الفانوس الملون قادم، وكنا نجلب كمية من الشموع استعداداً لاستقبال الفانوس، بأناملنا الصغيرة كنا نشعل أعواد الثقاب لإشعال الشمعة، ونثبتها فى دائرتها الصغيرة، ويلتف الأطفال فى حلقات يغنون بأصواتهم البريئة التلقائية، لم نكن نبالى بلسعات أناملنا الصغيرة من الزجاج الساخن أو صفيح الفانوس عندما تتوهج الشمعة، كل ما كان يعنينا هو المرح. للفانوس حكاية طويلة بدأت منذ العصر الفرعونى شعلة عادية استخدمها المصرى القديم فى جميع الطقوس الدينية كما تقول الدكتورة علا العجيزى أستاذ التاريخ القديم وحتى أغنية «وحوى ياوحوي» التى اعتاد الأطفال غناؤها وهم يلعبون فلها أصل فرعونى فهى تعنى «كم أنت ثابت أيها القمر» وقد غناها القدماء المصريون لأم الملك أحمس الذى طرد الهكسوس لأن اسمها كان «وليدة القمر». وسيلة إضاءة «الفانوس» كلمة إغريقية تشير إلى إحدى وسائل الإضاءة وهى «الشعلة» وعن ارتباط الفانوس بشهر رمضان يقول الدكتور خالد أبوالليل -أستاذ الأدب الشعبي- إنه وسيلة إضاءة فى الأساس، ولكنه يستخدم فى أغراض أخرى مثل الصيد، فهو وسيلة قديمة ومعروفة جيدا للصيادين. وعن ارتباط الفانوس بشهر رمضان يقول الدكتور أبوالليل إنه فى الخامس من رمضان عام 853 من الهجرة عندما دخل المعز لدين الله الفاطمى القاهرة ليلا خرج أهلها بالمشاعل لاستقباله، بناء على أوامر القائد جوهر الصقلى -الذى فتح القاهرة- بأن يخرج الناس لاستقبال الخليفة وهم يحملون الشموع لإنارة الطريق أمامه، وحتى لا تتعرض الشموع للإطفاء لجأ الناس وقتها إلى وضع الشعلة على قاعدة من الخشب وإحاطتها ببعض السعف والجلد الرقيق، ويعتبر هذا هو أول شكل للفانوس. وبعد ذلك تحول الفانوس من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية، ثم صدر قانون يحتم على كل مواطن أن يشترك فى كنس الشارع، وأن يعلق فانوساً مضاء فوق بيته، منذ الغروب إلى حين بزوغ شمس اليوم التالى وذلك طوال شهر رمضان. مع مرور السنوات ارتبط الفانوس بهذا الشهر الكريم، وأصبحت أغنيته الشهيرة «وحوى ياوحوي» جزءاً من التراث الثقافى للشعب المصري. فانوس فاروق بدأت صناعة الفوانيس بالاعتماد على النحاس، وبعد سنوات تطورت صناعة الفوانيس ليدخل فيها الصفيح، بالإضافة إلى الزجاج الملون، ويوضع فى داخله شمعة صغيرة للإضاءة، واستمر هذا الشكل التقليدى للفانوس لسنوات طويلة، وفى عهد الملك فاروق تم صنع فانوس رباعى الشكل، وفى كل قاعدة يخرج منه فانوس صغير، وقد صمم خصيصا لاحتفال القصر الملكى بيوم ميلاده، وتم شراء ما يزيد على 005 فانوس من هذا النوع يومها لتزيين القصر الملكي، واطلق على هذا الفانوس «فاروق» ومازال هذا الفانوس موجودا حتى الآن ولكنه يوضع فى الشوارع أو المحال التجارية الكبيرة نظرا لارتفاع سعره. لعب أطفال تطورت صناعة الفوانيس بالاعتماد على البلاستيك بدلا من النحاس والصفيح والزجاج الملون، تم الاستعانة بالبطارية واللمبة الصغيرة بدلا من الشمعة للإضاءة، واستمر هذا الشكل لسنوات حتى طرقت الصين باب هذه الصناعة حيث تطورت تطوراً ملحوظاً، وبدأت فى طمس الهوية العربية بصنع الدمى واللعب التى يفضلها الأطفال، وتم تزويدها بالأغانى الدينية والفلكلورية مثل «وحوى ياوحوي» و«رمضان جانا» و«مرحب شهر الصوم» وتم طرحها فى الأسواق، وبالفعل وجدت هذه الفوانيس إقبالا كبيراً خاصة فى ظل انخفاض سعرها مقارنة بالفوانيس المحلية المصنوعة من النحاس، وهو ما أجبر أصحاب الكثير من ورش تصنيع الفوانيس المحلية على غلق أبوابها، وذلك بعد أن تخلت الدولة عن دورها فى دعم المنتج المحلى الذى يحافظ على الهوية العربية والإسلامية. الغزو الصيني منذ عشر سنوات تسلل المارد الصينى ليفرض أسعاراً بسيطة إلى حد ما على الكثير من أشكال الفوانيس، ووصل سعر «الجمل» 33 جنيهاً و«الحصان» 52 جنيهاً «وماما نونة » 04 جنيه فضلا عن العرئس التي وصل سعرها إلي 06 جنيه أما الفانوس المحلى فقد تراوحت أسعاره من ثلاثين جنيها للفانوس الصغير إلى أكثر من 0052 جنيه للفانوس الكبير. استمر المارد الصينى فى تصنيع الفوانيس وتطويرها وتصديرها إلى العالم العربى لتكون فى أشكال محببة إلى الأطفال مثل شخصية أبوتريكة وهو يرتدى فانلة النادى الأهلى رقم 22 والكابتن حسن شحاتة مدرب المنتخب الوطنى السابق وهو يلعب بالكرة بالإضافة إلى عدد من اللاعبين الآخرين. ومن ناحيتها حاولت الدولة فرض قيود على استيراد السلع الصينية باشتراط حصول الشركة الصينية المصدرة على شهادة «الايزو» لتثبت جودة المنتجات التى يتم طرحها فى الأسواق المصرية، إلا أن الإقبال يتزايد سنويا على الفوانيس الصينية نتيجة لانخفاض سعرها مقارنة بالإنتاج المحلي. وبالطبع لم تكن الأحداث غائبة عن الأشكال الجديدة للفوانيس بعد الثورة والانتخابات الرئاسية فقد ظهرت فوانيس الثورة والدبابة والفانوس أبو لحية ولم يغب أيضا فانوس التوك توك تبركاً بإشادة الرئيس محمد مرسي بسائقي التوك توك في خطابه الأول. أما جديد الصين هذا العام ففانوس مصر التاريخى والذى كان يضع من الصاج والزجاج الملون نفذته الصين هذا العام ولكن من مادة البلاستيك الشفاف التى لاتفرقها عن الزجاج، والفرق بالطبع سيكون فى السعر الذى سيذهب لصالح التجار كالعادة. ظهر الفانوس كعادة رمضانية ارتبطت بمقدم الفاطميين إلى مصر، لكنه تحول إلى جزء من تراثنا الثقافى، وفى السنوات العشر الأخيرة دخلت الصين بثقلها فى صناعة الفوانيس، ومع الهجمة الصينية على سوق الفوانيس تعددت أشكال الفانوس وألوانه، فظهر الجمل والحصان، وفانوس «ماما نونة» وتراوحت أسعارها بين 52 إلى 06 جنيهاً لتهدد تلك الأشكال عرش الفانوس المحلى الذى يتراوح سعره بين 03 إلى 0052جنيه.