03 ألف مائدة إفطار على مستوى الجمهورية خلال الشهر الكريم كباب وكفتة ودجاج مشوى وحمام محشى وأطباق خضراوات وسلطات متنوعة وفواكة وحلويات ومياه معدنية، هذه محتويات مائدة الرحمن التى تقيمها راقصة شهيرة فى رمضان كل عام، كان فقيران يجلسان إلى تلك المائدة انتظاراً لآذان المغرب، وما أن ارتفع صوت الحق حتى أقبل الجميع على التهام هذا الطعام الشهي، سأل أحدهما الآخر - بعد تناول الطعام - من الذى يقيم هذه المائدة العامرة؟ ليرد الآخر: إنها الراقصة الشهيرة «....»، وبخفة ظل يقول: عشان كده.. كل ما آكل لقمة تنزل فى بطنى على واحدة ونص! فنانون وسياسيون وفلول كانوا يحرصون على إقامة هذه الموائد الرمضانية، فأربعون بالمئة من المصريين تحت خط الفقر، هؤلاء يشبعون فى رمضان أما فى غيره، فقد يكون «التكافل الاجتماعي» فاعلاً فى أيام، وغائباً طوال العام، لكن الدين والسياسة يختلطان بوضوح فى هذه الموائد الرمضانية، إذ يعزف الجميع على وتر الفقر والفقراء! فى الأحياء الشعبية يقوم جيران المسجد بطبخ كميات ضخمة من الطعام وتوريدها للمسجد الذى يقوم من بعد صلاة العصر باستقبال الفقراء الذين يحملون أوانيهم لملئها بالطعام، ليتناولون إفطارهم فى بيوتهم، وهذا أكرم كثيراً للفقراء من الجلوس فى الشوارع إلى الموائد ليراهم الجميع، لكن احزاباً سياسية ورجال أعمال يقيمون موائد رمضانية لاكتساب الشهرة ربما ولغسيل الأموال، وبالطبع الله أعلم بالنوايا! مليار جنيه هى تكلفة موائد إفطار رمضان فى القاهرة وحدها، وضعف هذا المبلغ فى محافظات مصر، وزبائن هذه الموائد في القاهرة نحو 3 ملايين مواطن، وهناك 03 ألف مائدة الكبري، ونحو 52 مليون مستفيد من الموائد في المحافظات فإذا افترضنا أن كل وجبة تتكلف 01 جنيهات سنجد أن تكلفة موائد الرحمن على مستوى الجمهورية تقترب من 9 مليارات جنيه خلال شهر رمضان!!، طبقاً لاحصاء ورد بدراسة لمركز معلومات مجلس الوزراء، وكان هذا - بالطبع - قبل ثورة يناير، إذ كان رجال أعمال الحزب الوطنى يتبارون فى إقامة هذه الموائد، إما لغسيل أموالهم، أو تقرباً من «آل مبارك» على نمط «شوف رجالتك بتعمل إيه ياريس»، وكان الفقراء يتهافتون على هذه الموائد وبالطبع كانت الموائد تقام فى سرادقات ضخمة تحمل اسم المتبرع بها، سواء للمباهاة أو ل«البيزنس» أو للحصول على أصوات أهالى «الدايرة» فى انتخابات الشعب والشوري، وكله بثوابه! كان فتحى سرور يفوز بالتزكية فى انتخابات مجلس الشعب عن دائرة «السيدة زينب» فقد كان يقيم مائدة يومية تتسع لعشرة آلاف صائم، ويذبح ثلاثة عجول يتم طهيها وتوزيعها بالمائدة الرمضانية، وبالطبع كانت اللافتة من خارج السرادق «الدكتور فتحى سرور يرحب بضيوف الرحمن» وهكذا كان يفعل آخرون، لم يسألهم أحد - آنذاك - من أين اكتسبوا هذا المال الذى ينفقونه على تلك الموائد. مائدة الرحمن عادة مصرية أصيلة، هذا ما يؤكده المؤرخ د.قاسم عبده قاسم، موضحاً: كان السلاطين يمدون الأسمطة «الموائد» للفقراء، وكذلك الفاطميون وأمراء المماليك، كانت تزدحم هذه الموائد بالبسطاء، وكانت واجهة لسماحة الدين والتكافل الاجتماعي، أما الآن، فلكى تروج فنانة لألبومها الذى سوف تطرحه فى أثناء عيد الفطر فإنها تقيم مآدبة الرحمن للفقراء، وقد يقيمها رجال أعمال بهدف «البيزنس» ولإخفاء أرباحهم الضخمة، قاسم وأضاف: الموائد التى كان يقيمها الإخوان المسلمون- قبل الثورة - كان أمن الدولة يمنعها بالقوة، فالإخوان عادتهم فعل الخير، أما وقد فازوا برئاسة الدولة فالطريق أصبح مفتوحاً أمامهم لإقامة هذه الموائد عليناً، فهذه عادتهم منذ زمن طويل. ممدوح قناوى - رئيس الحزب الدستوري- يرى أن موائد الرحمن يجب أن تختفى بعد الثورة التى طالبت ب «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» وذلك من خلال اتاحة فرص عمل بأجور مجزية للقضاء على الفقر، بحيث لا يتسول الفقير طعامه من خلال هذه الموائد. بينما يؤكد ياسين تاج الدين -نائب رئيس حزب الوفد - ضرورة عدم قيام الأحزاب بإقامة هذه الموائد، إذ إن أموال الأحزاب أموالاً عامة، كما أن علاقة الحزب بالمواطن ليست علاقة احسان، بل هى علاقة سياسية بحتة وهذه الموائد من اختصاص الجمعيات الخيرية والموسرين، مشيرا الي ان الإخوان يقومون بدور فاعل من خلال الجمعيات الخيرية التى أسسوها فى هذه المجال. أما د.رفعت الأنصارى - أستاذ الاجتماع السياسى بجامعة حلوان- فيرى أن عدداً ممن كانوا يقيمون هذه الموائد هم نزلاء «طرة» الآن، ونظراؤهم ممن لم يدخلوا سجن المزرعة لن يقيموا هذه الموائد حتى لا يظهرون فى الصورة من جديد ويتم محاسبتهم، الانصارى مضيفاً أن هذه الموائد ظاهرها التدين وباطنها البيزنس، وفيها مآرب أخرى كالرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات، أما الموائد الحقيقية فهى التى تقيمها الجمعيات الخيرية والمساجد. بثلاثين ألف مائدة كبرى يستقبل المصريون رمضان، وطوال ثلاثين يوما مباركاً تقدم تلك الموائد الخدمة ل 82مليون صائم، ويتسابق فى الصرف عليها الفنانون والساسة ورجال الأعمال، ولكل منهم وجهة هو موليها، حيث تعد موائد الرحمن مكانا جيداً لغسل الأموال والسمعة بالنسبة للفاسدين الباحثين عن مكان الصدارة بين الناس، كما تعد مكانا للتصدق والتقرب إلى الله بالنسبة للصالحين الراغبين فى بذل الغالى والنفيس لنيل رضا الله تعالى.