فى الرؤية العامة للمثقفين كجماعة ضغط فى المجتمع المصرى لابد أولا من تعريف محدد لمصطلح المثقفين، هكذا بدأ الكاتب الكبير صلاح عيسى توضيح فكرته حول المثقفين كجماعة ضغط فى الستين عاما الماضية منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر وحتى الآن، والمصطلح فى حد ذاته لابد وأن يخرج من التعريف التقليدى الضيق والذى تتبناه العامة فى أن جماعة المثقفين هى جماعة الكتاب والأدباء والشعراء إلى آفاق أوسع تشمل كل من له رؤية فى الشأن العام، والحقيقة أن كل مواطن له مثل هذه الرؤية ويجب أن تؤخذ فى الاعتبار عند صياغة السياسات العامة للحاضر والمستقبل، وبهذه الرؤية سنجد أن الرئيس جمال عبدالناصر أسس دولة شديدة المركزية تتبنى فكرة التنظيم الواحد الجماهيرى وهو الاتحاد الاشتراكى وتنظيم أخر انبثق عنه وهو التنظيم الطليعى الذى كان أشبه بالحزب السياسي، وفى هذا المجتمع الشمولى تعددت الخلافات بين الرئيس ومجموعة المثفقين خاصة أصحاب التيار اليسارى من جانب والتيار الدينى وفى القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، ولكن يحسب للرئيس عبدالناصر أنه سمح لجماعات المثقفين بالعمل ولكن بشكل فردي، بمعنى أن عبدالناصر كانت لديه حساسية خاصة تجاه أى تنظيم ويشعر أن مثل هذه التنظيمات تهدد كيان الدولة خاصة عندما تتبنى هذه التنظيمات أى نوع من أنواع العنف، ولذلك ستجد ازدهاراً شديد فى مجالات الثقافة العامة والفنون والآداب خلال فترة الستينيات رغم الجو العام من البيروقراطية وانعدام سبل الديمقراطية وهو ما كان يمثل معضلة حقيقية للباحثين حتى اليوم، ولكن ازدهار هذه الجماعات يعنى بالاساس سماح عبدالناصر بهامش كبير من الحركة والنقد بعيدا عن التنظيمات، ولذلك رأينا نجيب محفوظ مثلا يكتب وينشر رواياته دون أى مصادرة رغم ما فيها من نقد ضد النظام، هذا الجو العام الذى وصفناه جعل من جماعة المثقفين جماعة ضاغطة فى عهد عبدالناصر وكان وللحق يستجيب لهم وهذه ميزة عبدالناصر فى أنه كان يستمع جيدا لرؤى المثقفين ويطور مواقفه منها، ولا يمكن لأى بلد أن تزدهر دون وجود هذا الهامش من الحرية فى الابداع والحوار، أما فى عهد الرئيس السادات فهى مرحلة كانت شديدة الصدام بين السادات وتيارات المثقفين فى مصر، خاصة فى المرحلة ما بعد 7791 أو الولاية الثانية له، بدأت هذه المرحلة بالصدام مع السادات من جانب الناصر يين الذين رأوا فى سياساته انقلاباً على خط عبدالناصر ومثلت بيانات المثقفين عام 2791 ومنها البيان الشهير الذى صاغه الكاتب الكبير توفيق الحكيم، الرهاصات بداية الصدام مع السادات الذى دائما ما كان يردد أنه سمح للمثقفين بالكلام وحرية الكتابة «فشتموه» وكأن السماح للمثقفين بالكتابة هى المنحة التى يجب أن يقابلها المثقفون بالامتنان، وكما انقلب السادات على الخط العام لعبدالناصر انقلب أيضا على أسلوبه فى التعامل مع المثقفين، حيث كان يكتفى بالسماح لهم بالكلام ويفعل هو ما يريده دون النظر لأهمية هذه الرؤى وهو ما جعل الصدام حتمياً، وهو ما تحقق فى انتفاضة 7791 حيث كانت طلائع المثقفين تقود الجماهير وتسيس مطالبها، وهذا ما دفع السادات للتيقن أن الطريق الذى يجب أن يمشى فيه هو طريق السلام مع إسرائيل لكى يفتح الباب للمنح والمساعدات تتدفق على مصر وتعمل على نهضة اقتصادية تمنع مثل هذه الانتفاضات والثورات ضده، وهو ما جعله يذهب فى زيارته التاريخية للقدس ويوقع فى النهاية معاهدة السلام منفردا مع إسرائيل، وبالطبع وصل الصدام إلى ذروته باعتقالات سبتمبر الشهيرة وتم اغتياله وصفوة مثقفي مصر فى المعتقلات!!. وورث حسنى مبارك نفس السياسة من الرئيس السادات وهى سياسة فتح الباب لحرية النقد والإبداع ولكن دون استجابة فعلية لجماعات الضغط الثقافية التى بدأت فى آخر عهده تتجمع فى شكل اتجاهات وصلت إلى ذروتها فى الخمس سنوات الأخيرة قبل ثورة 52 يناير، ولابد من القول إن السماح للمثقفين بالكتابة وحرية الحركة والإبداع دون الاستجابة لهم تبدأ بنوع من امتصاص شحنات الصدام، ولكنهاسرعان ما تنقلب إلى الضد فتبدأ فى الشحن ضد النظام القائم وتسعى لإسقاطه وهو ما حدث فى النهاية لنظام حسنى مبارك، وكان لجماعات الضغط من المثقفين دوررائد فى إسقاط النظام وشحن الجماهير ضده طوال الخمس سنوات السابقة على سقوطه سواء بالكتابة أو العمل الحركى بالوقفات الاحتجاجية والتظاهرت التى شجعت الجماهير فيما بعد على التحرك، وأعتقد أن هذا الدور سيزيد فى المستقبل شرط استمرار الجو الديمقراطي، فالديمقراطية بالأساس ممارسة على أرض الواقع ونستطيع أن نتلافى أخطاء الماضى بالتجارب الفعلية وتفاعل التيارات المختلفة ووصولها لصياغة مشتركة للتعايش فيما بينها، وهو ما سيجعل لجماعات الضغط من المثقفين دورا مهماً فى قيادة المرحلة القادمة.