إذا كان الموت هي حالة الانتقال من عالم الروح من الجسد، وخروجها لعالم آخر، فإن كثيرا من الناس يتساءلون عن كيفية خروج الروح من الجسد لحظة الموت وقبض الروح من قبل ملك الموت، والمكان الذي تخرج الروح من الجسد تحديدا. وقد اهتم علماء الدين بالإجابة عن تلك الأسئلة المحيرة، فأكدوا أنهم لا يعلمون شيئا عن كيفية خروج الروح من البدن، ولا من أين تخرج تحديدًا، ولكن أكدوا على وجود ظواهر بالنصوص الدينية تدل على أنها تخرج أولًا من أسافل البدن، وأن خروج روح المؤمن تكون سلسة، بعكس خروج روح الكافر، حيث جاء في الحديث أن نفس المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وأما روح الكافر فإنها تتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول، والحديث طويل رواه أحمد وغيره وصححه شعيب الأرناؤوط. وقد عرف العلماء السفود بأنه نوع من الشوك مائل، وجاء في كتب التاريخ: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما نزل به الموت قال له ابنه: "يا أبت قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟!" فقال عمرو بن العاص: "يا بني الموت أعظم من أن يوصف! ولكن سأصف لك منه شيئًا، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة، وكأني أتنفس من سم إبرة! ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما". وقال عمر بن الخطاب لكعب: "يا كعب حدثنا عن الموت قال: إن الموت كشجرة شوك أدخلت في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القوى فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى". وذلك ما جاء في وصف الصالحين للموت، وقد أكد العلماء أن للموت سكرات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قالت عائشة: "فكانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات". رواه البخاري، وجاء في حديث رواه الترمذي: "اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت. وقال تعالى: "وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ"، فالموت له سكرات وغمرات تكون قوية على بعض الناس وخفيفة على البعض. الموت أثناء النوم أما عن الموت الذي يأتي لبعض الناس أثناء النوم، فيقول العلماء إنه من الثابت أن الروح تخرج من الجسد عند النوم، حيث قال تعالى: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الزمر(42)، وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمهما، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين". متفق عليه. ويذكر العلماء أن خروج الروح عند النوم يختلف عن خروجها عند الموت، فخروج الروح عند الموت خروج تام، وانفصال كامل، أما خروجها عند النوم فخروج جزئي ينشأ عنه فقد الإدراك، ويبقي لها ارتباط بالجسم، ونوع اتصال على كيفية لا يعلمها إلا الله سبحانه؛ ولذا يتحرك الإنسان، ويتنفس، ويتكلم أحيانا. وقال الداعية صالح الفوزان: "تخرج الروح من الجسد عند النوم خروجًا غير كامل، فيبقى لها ارتباط بالجسد، والخروج الكامل بالموت، أما خروج روح النائم فهو نوع من الخروج لكنه غير كامل. رؤية الملائكة يذكر العلماء أنه في ساعة الموت يرى الميت ملائكة الله، ويسمع منهم الكلمة الفاصلة النازلة إليه من عند الله تعالى، وهي التي فيها نعيمه الأبدي أو شقاؤه الأبدي. أكد العلماء أنه لا يستوي المؤمن والكافر عندما ينزل الموت بهما، ولا المحسن والمسيء، ففي هذه اللحظة- لحظة خروج الرُّوح- يظهر الفرقان، ويفترِق الطريقان، ويمتاز الفريقان، فعند خروج رُوح المؤمن يجتمع له الخير كله، ولا ينسى أبدًا هذه اللحظة حتى بعد دخوله الجنة، يقول بعض السلف: "إن العبد المؤمن وهو يتقلَّب في نعيم الجنة لا ينسى طعمَ وحلاوة بِشارة مَلَك الموت له عند خروج الرُّوح، ونقيض ذلك للعاصي والكافر، وقال تعالي: "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" - الجاثية (21).