أورد أحمد تيمور باشا في كتابه «الأمثال العامية» مجموعة من الأمثال التي تتحدث عن الكذب ومنها « الكداب تنحرق داره « وقصة هذا المثل: أن رجلا كان كثير الكذب يفاجئ الناس كل يوم باستصراخهم لنجدته في أمر وقع فيه فإذا هبوا لإغاثته لا يجدونه صادقا في دعواه، ثم احترقت داره يوما واستصرخهم فلم يغيثوه لتعودهم منه الكذب فأتت النار عليها. وأيضا الكذاب خرب بيت الطماع لأن الكذاب يلفق للطماع ويحسن له أمورا يطمعه فيها بالربح فيصدقه لطمعه ويندفع في الإنفاق فيما لا يعود بثمرة فيخس ماله ويخرب داره. وهناك أمثال استخدم فيها الكذب لتأكيد الواقع مثل «اتغربي وا كدبي» أي إذا أردت أن تكذبي علي الناس وتنسبي لنفسك ما ليس فيك فليكن في غربتك بين أناس لا يعرفونك فإنك لا تستطيعين ذلك في بلدك وبين من يعرفك . وقيل أيضا «إيش عرفك إنها كدبة قال كبرها» المراد المبالغة في الخبر تحمل الشك فيه وتكذيبه حتى إنهم فضلوا الكذب المعقول عن الصدق المبالغ فيه. يقول محمد حسن عبد الحافظ -مدرس الأدب الشعبي المساعد- أكاديمية الفنون تعد الأمثال الشعبية – من الوجهة الإبداعية – أحد المكونات الرئيسية في بناء الإبداع الشعبي، وهي أكثر الأنواع الأدبية الشعبية انتشارًا وشيوعًا وأداء على ألسنة الناس؛ ذلك لأنها وثيقة الصلة بمختلف المواقف الإنسانية التي تمر على الأفراد والجماعات بصورة يومية. وكل مثل يعود في أصله إلى تجربة إنسانية أو واقعة تاريخية أو حدثً واقعيًّ جرى في الماضي، ويتم استنبات المثل بوصفه صورة رمزية مكثفة لمختلف تلك التجارب والوقائع والأحداث، وقد يخرج المثل – في البدء- من شفتي فرد ويلقيه على أسماع جماعة صغيرة تعبيرًا عن موقف ما حقيقي، ثم يتواتر تناقله في المكان والزمان، ليشيع ويستقر، وفقًا للخصائص اللغوية والرمزية والإشارية الكثيفة التي يتمتع بها المثل. وخلال هذا التمدد الزماني والمكاني للمثل، تتباعد الحكاية أو الواقعة الأولى (الأصلية) التي أسست المثل، ولنفهم أن هذه الأمثال الشعبية إنما تداولها الشعب المصري ليحقق بها جميعًا حالة من التوازن والتكافؤ الاجتماعي والنفسي في حياته اليومية. ولو طبقنا هذه الملاحظات على الأمثال التي تتناول «الكذب»، يجب ان نتخيل سياقات تداولها ليفهموا المغزى منها، وأن يتمعنوا في المعنى العميق وراء التركيب البسيط الذي يتشكل منه المثل، وأن يجتهدوا في الحصول على الدلالات البعيدة عن ظاهر الكلام، فعندما تسمعون المثل القائل: كدب مساوى ولا صدق منعكش. أو المثل القائل: كدب موافق ولا صدق مخالف، فلا تحسبوا ذلك دعوى للكذب؛ فكل الأمثال تنفر من الكذب والكذابين وتنتصر للصدق والصادقين (الكذب ما لوش رجلين، ما ينوب الكداب إلا سواد وشه، اللي يكذب نهار الوقفة يسود وشه نهار العيد، الكداب تنحرق داره، شمعة الكداب ما تنورش، إن كان الكدب حجة يكون الصدق أنجى...)، وإنما هو أسلوب التفات يقصد به تقويم الصدق الذي يعوزه النظام والترتيب والرسوخ والهدوء والثقة بالنفس. ويحذر من انتصار الكذب إذا تسلح بهذه الصفات، بينما يفتقر إليها الصدق! أما إبراهيم عبد الحافظ أستاذ الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون فيوضح أن الأمثال تعتبر من تراث الشعوب عبر السنين وهي عبارة عن تجارب خاضتها، والكذب فيها كان من الصفات المذمومة وهو مقابل الصدق كما قيل في المثل الشعبي كدب مساوي ولا صدق مبعزق أو كدب موافق ولا صدق مخالف فهذه ليست دعوة للكذب ولكن معناه كذب مقبول لا مبالغة فيه خير من صدق مبعثر أي ليس متلائما في أجزائه، وفي مثل آخر يقول الميه تكدب الغطاس وأن أي الماء يكذب الغائص فيما يدعيه من الحذق والمهارة لأنه إذا غاص فيه ولم يكن كما يدعي غرق وظهر كذبه وأنه عند اختبار الأصدقاء لا يظهر الصديق إلا وقت الشدة وفي الأمثال الشعبية تحريض علي فكرة الابتعاد عن الكذب لأنه يظهر كدبه بعد مدة ومهما طالت وعلي المرء الابتعاد عنه، وكانت حكمة المصريين أن يكتشفوا أن الكذاب لن يصل فى نتيجة والحقيقة أنه يفشل إلي النهاية في الوصول إلي الهدف الذي يرجوه، وفي التراث العربي يقول المثل «الكذب مالوش رجلين» أي انه لا يستمر فترة ولا يقف علي أرض صلبة والمراد الكذب لا يسير طويلا بل يفضح عاجلا فيمهل ويصير كالمقعد، وكذب الحاكم أمام شعبه في عصور المماليك قيل كذب السلاطين والمماليك والعثمانيين وكان هذا سببا في تكرار الثورات وكانت من عقيدة الشعب المصري أن يضع كل تجاربه في أمثال شعبية تعبر عن الواقع الذين يعيشون فيه . المراجع الأمثال العامية علي الحرف الأول من المثل أحمد تيمور باشا