بين سفرتين وسفيرين استطيع أن أتعرف وبدقة على مدرستين مختلفتين في ملحمة الدبلوماسية المصرية.. الوجهة: يريفان عاصمة أرمينيا.. التاريخ أبريل 2015 م.. التجمع: وفد مصرى شعبى مكون من ستين شخصية مصرية، قرروا مشاركة الشعب الأرمنى في احتفالاته بإحياء الذكرى المئوية لإبادة أكثر من مليون ونصف المليون أرمنى على يد الهمج الأتراك عام 1915م. لمدة أسبوع كامل لم نر سفير بلادنا هناك ولم نلتقه.. بعضنا آثر الاتصال به احتراما وتقديرا، غير أن سيادته قال لبعضنا إنه يستيقظ بعد الظهر، وليس لديه وقت للقائنا.. لم نلتقه بالفعل غير أن هذا المشهد العبثى لم يخل من لحظة أمل، في ذلك الوقت كانت إحدى سيدات مصر العظيمات تتولى موقع القنصل.. زارتنا في الفندق الذي نقيم به، وعرضت علينا خدماتها، وقالت للجميع: لاتترددوا في الاتصال بى أي وقت إذا ما احتجتم لسفارتكم. كانت السيدة المصرية بلسما أطفأ نيرانا كان لابد أن تنفجر في سفير آثر النوم على الالتقاء بوفد من خيرة رجال مصر (خبراء في الإستراتيجية، وأساتذة جامعات وقضاة وإعلاميين وساسة) لم يمض الأمر على هذا النحو الهادئ، وبعد عودتنا علمنا أن سفيرنا الذي لم يلقانا ولم نلقاه أمر بتحويل الدبلوماسية العظيمة للتحقيق بتهمة الالتقاء بالوفد المصرى، المثير أنهم حققوا معها وأعادوها إلى القاهرة، وهكذا راحت ضحية أدائها لدورها تجاه أولاد بلدها.. تصوروا التهمة لقاء وفد مصر !!. مر عام كامل، وكنت ضمن وفد مصرى من أربع شخصيات وجهت إلينا دعوة للمشاركة في المنتدى العالمى لمواجهة جرائم الإبادة، ومنع تكرارها بالعاصمة الأرمينية يريفان، منذ أيام قليلة.. لم نبادر بالاتصال بسفارتنا؛ فالتجربة القاسية في العام المنقضى كانت لاتزال تدفعنا دفعا إلى تجاهل فكرة التواصل حتى فاجأنا الدكتور أرمن مظلوميان المصرى الأرمينى النشط بأن سفيرنا يدعونا في أي وقت لزيارته !! أمام السفير طارق معاطى تستطيع أن ترى واحدة من صور الدبلوماسية المصرية الراقية، فهو واحد ممن خدموا بلادهم في مواقع عدة، صاحب قرار، يمتلك رؤية لما يدور حوله، واحد من المثقفين الذين ينصتون أكثر مما يتكلمون، منفعل بدوره، قارئ نهم، متابع جيد للحركة الثقافية، ودقيق في طرح وجهة نظره فيما يخص الملف المصرى الأرمنى، منفتح إلى أقصى درجة، انفتاح الواثق من قدرات بلاده، المؤمن بإمكانياتها وتاريخها الدبلوماسي. والسفير طارق عبد العاطى يؤمن بالتفاؤل طريقا لإدارة أصعب الملفات، تراه مبتسما، وهو يصف لك مايدور حولنا رغم قسوة الوصف، يرى أن مصر وأرمينيا صاحبتا حضارتين مهمتين في تاريخ الإنسانية، يستطرد في ملامح التشابه بيننا وبينهم، يسعى إلى توطيد العلاقات وإحياء الملفات، اللجنة المصرية الأرمينية المشتركة، اللجنة البرلمانية التي يسعى برلمانيون مصريون وأرمن لتكوينها.. دراسة الأسواق بين البلدين.. الملف السياحى. ويعترف السفير أنه بحضور مصر الطاغى متمثلا في استقباله بحميمية سواء على المستوى الرسمى أو على المستوى الشعبى، ويراهن على الجالية الأرمينية بالقاهرة في توطيد العلاقات، وخلق مساحات من الاشتراك الثقافى بين البلدين، ويؤكد لنا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لديه دعوة لزيارة أرمينيا وأن هذه الزيارة لو تحققت فإنها ستدفع بمستوى العلاقات المصرية -الأرمينية إلى آفاق تليق بحضارتين ضاربتين في أعماق التاريخ. الفارق بين الرحلتين عام واحد: في الأولى لم يشارك السفير المصرى هناك في مئوية المذابح، رغم مشاركة دول عربية مثل الكويت، والإمارات، بل ولم يزر وفدا مصريا شعبيا جاء للمشاركة، في المرة الثانية رأينا سفير مصر يشارك في المسيرة العالمية التي شاركت فيها وفود دولية كبيرة، رأيناه وهو يضع إكليل الزهور على النصب التذكارى لضحايا الإبادة، ورأيناه متعاطيا مع الوفد المصرى كلما اقتضت الضرورة، تحية لسفيرنا في يريفان طارق معاطى، وأحلاما سعيدة لمن كان قبله والذي لا أتذكر اسمه!!