تعالت فى الآونة الأخيرة أصوات بعض التيارات المتشددة، والتى تركت كل ما تعانى منه البلاد من فقر وبطالة وأزمة إسكان وتعليم ومواصلات وأشياء أخرى وراحت، تهاجم بضراوة كل ما يمت للفنون والإبداع تحت زعم أن هذه محرمات، ولأن «آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها» فإن أول هذه الأمة الإسلامية هو رسول الله «صلى الله عليه وسلم».. وهو لم يحرم الفن على إطلاقه، بل أعجب الرسول الكريم بالفن والإبداع، وسمح لزوجته عائشه «رضى الله عنها» بمشاهدة رقص الأحباش أمام المنازل وهى صورة بدائية للمسرح، وقد أكد الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة أن موقف الرسول «صلى الله عليه وسلم» من الموسيقى والغناء واللهو والترفيه البسيط، كان مرنا حيث أباح من كل ذلك ما لا يثير الغرائز والشهوات وأبقى «صلى الله عليه وسلم» على كل ما يهدئ النفوس ويريحها، أو يبث فيها قيم الشجاعة والمروءة، ولذلك أقر الرسول فعل الجارتين اللتين كانتا تغنيان فى يوم عيد، ومنع أبا بكر أن ينهرهما، وكذلك فعل الرسول «صلى الله عليه وسلم» مع أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها، حينما خرج بها لمشاهدة «الأحباش» وهم يلعبون، بل إنه كان يرفعها لتشاهد هذه الألعاب والأغانى حتى اكتفت. ويؤكد الدكتور غنايم أن النبى «صلى الله عليه وسلم» كان يشجع الغناء ، ويحث عليه فى مناسبات الزواج وطهور الأبناء، والذهاب إلى الجهاد، وغير ذلك من المناسبات التى تحتاج إلى تحفيز الهمم ورفع الروح المعنوية، ومن ذلك أنه أقر الصحابة وهم يغنون فى بناء مسجد المدينة، وفى غزوة أحد، كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يغنى معهم بكلام طيب جميل من مثل قوله «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة .. فارحم الأنصار والمهاجرة» وقول الصحابة فى غزوة أحد «والله لولا الله ما اهتدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا»، بل إن الرسول عندما حضر زفاف إحدى العرائس، سأل السيدة عائشة ومن معها من النساء هل كان معكن من غناء، فلما أجبنه بالسكوت عاتبهن وقال هلا قلتن فى زفافها أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم.. ولولا الحنطة السمراء ما زفت فتاياكم، . ويشير الدكتور غنايم إلي أن النبى كان يشارك الصبيان فى ألعابهم وغنائهم، ويقول يا عمير ما فعل النغير»، وهو طائر صغير كان يلاعبه بعض صبيان الصحابة، كما كان يقول لأصحابه رضوان الله عليهم «روحوا عن القلوب ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت»، ومن هذا نعلم أنه لا مانع من كل ترفيه عفيف بالموسيقى أو الغناء، أو اللهو المباح دون تجاوز ولا إثارة، وهذا هو موقف الشيخ محمد الغزالى رحمه الله الذى كان يقول عن الموسيقى والغناء «حلاله حلال.. وحرامه حرام» أىكل ما هو عفيف ومباح فهو حلال، وكل ما هو خارج ومثير للغرائز وخارج عن حدود العفة فهو حرام. ويشدد غنايم على أن النبى «صلى الله عليه وسلم» لم يكن محاربا للفنون، كما يزعم البعض وأنه أقدم على هدم التماثيل حول الكعبة يوم الفتح، لأن كفار قريش كانوا يتعبدون بها، وهو نفسه ما كان يحدث فى الطائف، وقال إن جمهور الصحابة من الفاتحين لبلاد الفرس والروم ومصر، وشمال إفريقيا لم يتعرضوا للتماثيل الموجودة فى تلك البلاد، لفهمهم أن موقف الرسول «صلى الله عليه وسلم» في فجر الدعوة كان خوفا على عقيدة التوحيد التى يدعو إليها.