قلبه الحنون «صلي الله عليه وسلم» لم يعرف يوماً البغضاء، تتزاحم القصص والروايات فى كتب السير عن عطفه على الصغير، والكبير وذي الحاجة، فقد كان عليه الصلاة والسلام» قرآنا يمشى على الأرض قال عنه رب العزة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». ذات يوم كان بين أصحابه يقدم إليهم شيخ عجوز، فلما أبطأ القوم أن يوسعوا له، يقوم النبى من مجلسه ليفسح الطريق، ويعلم صحابته كيف تكون المعاملة وقال «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا».. لم يقف عطف النبى على المسلمين، بل شمل من يستحقون الرحمة من المشركين، فيوم فتح مكة جاء أبو بكر الصديق بأبيه «أبى قحافة» وكان مسناً ، ليسلم بين يدى النبى فى البيت الحرام، فيقول «صلي الله عليه وسلم»: هلا تركت الشيخ فى بيته حتى آتيه فيه». ويضرب المثل به «صلي الله عليه وسلم» فى الرحمة والعطف على الأطفال، لدرجة لم تسبق فى تاريخ البشرية، يقول أنس: ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلي الله عليه وسلم. وكان يرفض بشدة أفعال بعض صحابته الذين لا يعتنون بأطفالهم كما يجب، فقد روى أنه كان يقبل حفيديه الحسن والحسين ،وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد لم أقبل منهم أحدا، فنظر إليه وقال «من لا يرحم لا يُرحم» ومن شدة شفقته على الأطفال كان قلبه لا يتحمل بكاء الأطفال يقول أبو قتادة: «كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحمل حفيده وهو يصلى فإذا سجد وضعه وإذا قام حمله». ويميل العطف النبوى إلى العبيد والخدم ، لدرجة أنه يساعدهم فى أعمالهم رفقاً بهم ويقول عن العبيد «إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم».. كما كان يغضب إذا رأى أحداً يضرب خادمه، وفى هذا الشأن يروى أبو مسعود: «كنت أضرب غلاماً لى فسمعت من خلفى صوتاً يقول: اعلم أبا مسعود إن الله أقدر عليك منك عليه، فألتفت فإذا هو رسول الله «صلي الله عليه وسلم» فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: لو لم تفعل لمستك النار». النبى تبسّم كان ضحوكاً يتهلل وجهه بالبشر، تشع من عينيه الطمأنينة والبهجة، يبادر من يلقاه بالابتسام، ويأمر بذلك فتبسمك فى وجهه أخيك صدقة ، وكان يعجب بالموقف الطريف طالما أنه لا يغضب الله، ولا يخرج المرء عن وقاره، وتذكر كتب السيرة النبوية مواقف عدة ضحك فيها النبى حتى بدت نواجذه فقد روى أن الصحابى النعيمان بن عمرو بن رفاعة كان «مضحك» الرسول وكان النبى يوصى به خيراً حيث قال: «لا تقولوا لنعيمان إلا خيرا، فإنه يحب الله ورسوله »، ومن طرائفه الكثيرة التى رويت فى كتب التاريخ، أن ابابكر الصديق خرج يوما تاجرا إلى بصرى , ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكان سويبط على الزاد , فجاءه نعيمان فقال : أطعمنى , قال : لا، حتى يأتى أبو بكر، وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا، فقال : لأغيظنك , فذهب إلى أناس جلبوا ظهرا (الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال ) فقال : ابتاعوا ( اشتروا ) منى غلاما عربيا فارها، وهو رعّاد ولسّان، ولعله يقول : أنا حر.. فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لى، لا تفسدوا على غلامى، فقالوا : بل نبتاعه منك بعشرة قلائص (والقلوص هى الناقة الشابة القوية)، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال : دونكم هذا، فجاء القوم فقالوا : قد اشتريناك فقال : سويبط : هو كاذب، أنا رجل حر , فقالوا : قد أخبرنا خبرك، فطرحوا الحبل فى عنقه وأخذوه، فذهبوا به، فجاء أبو بكر، فذهب هو وأصحاب له، فرد القلائص وأخذوه، فلما أخبر النبى بالقصة ضحك , وظل يضحك وأصحابه كلما تذكر تلك الواقعة حولا كاملا!! وذكر هشام بن عروة عن أبيه قال : أقبل أعرابى على ناقة له , فدخل المسجد , وأناخ ناقته بفنائه , ودخل على نبى الله , وحمزة بن عبد المطلب جالس فى نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان، فقالوا للنعيمان : ويحك ! إن ناقته ناوية ( يعنى سمينة ) فلو نحرتها , فإنا قد قرمنا (اشتد شوقنا) إلى اللحم، ولو قد فعلت غرمها وأكلنا لحما، فقال : إنى إن فعلت ذلك وأخبرتموه بما صنعت وجد (غضب) على صلى الله عليه وسلم. قالوا : لا نفعل، فقام فضرب فى لبتها (موضع الذبح)، ثم انطلق، فمر بالمقداد بن عمرو وقد حفر حفرة، وقد استخرج منها طينا، فقال : يا مقداد , غيبنى فى هذه الحفرة، وأطبق على شيئا، ولا تدل على أحدا، فإنى قد أحدثت حدثا، ففعل , وجعل عليه الجريد والسعف , فلما خرج الأعرابى رأى ناقته قد نحرت , فصرخ وصاح : واعقراه يا محمد !. فخرج نبى الله صلى الله عليه وسلم، فقال : من فعل هذا ؟ قالوا : نعيمان، قال : وأين توجه ؟ فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد : هل رأيت لى نعيمان ؟ فصمت، فقال : لتخبرنى أين هو ؟ فقال : مالى به علم ؟ وأشار بيده إلى مكانه، فكشف الرسول عنه , فوجد وجهه قد تغير بالسعف الذى سقط عليه , فقال له: ما حملك على ما صنعت ؟! قال: الذين دلوك على يا رسول الله هم الذين أمرونى , وقالوا : كيت وكيت. فجعل النبى يمسح عن وجهه ويضحك, ثم غرم ثمن الناقة , وأرضى الأعرابى من ناقته، وقال : شأنكم بها فأكلوها، إذا ذكر صنيعه ضحك حتى تبدو نواجذه!!