«الفتنة نائمة» لكن النظام ملعون يخرجها من جرابه كلما ضاقت الدنيا فى وجهه بسبب اخطائه وخطاياه، فأفسد ما بين نسيج الوطن الواحد وقسم المجتمع إلى طوائف وكان يتودد لكل طرف على حساب الآخر ليحرق الطرفين فى خدمة مصالحه.. والمتابع لحوادث الفتنة الطائفية التى اشتعلت وشغلت الناس لأيام وشهور يجدها وقعت فى توقيت كانت البلد فى أزمة حقيقية تلقى بظلالها الثقيلة على المسلمين والمسيحيين، لكن حتى لا يتوحد الشعب ضد النظام اخترع سلاح الفتنة، وبالرغم من أن الشعب وقف صفاً واحداً فى ميدان التحرير وأطاح بحسنى مبارك إلا أن من خلفه فى السلطة خشى من هذه الوحدة فسار على درب سلفه فى اشعال الحرائق الطائفية ليستقر على كرسيه. المفكر والناشط السياسى جمال أسعد عبد الملاك يروى ل«فيتو» حكايات اللهو الخفى التى أزهقت أرواح الأقباط.. كيف تفسر صناعة الخوف التى حاول النظام السابق تأصيلها؟ - الخوف متأصل فى كل الشعوب التى تحكمها أنظمة مستبدة ومن المعروف أن مصر ظلت تحت الحكم المستبد أغلب فترات تاريخها، لكن من أهم مميزات ثورة 25 يناير أنها كسرت هذا الخوف، وأزالت الحواجز، وأصبح الشعب هو الذى يمكن أن يقرر مصيره، وأصبح قادراً على الضغط على صاحب القرار، وما يحدث على الساحة السياسية الآن، هو أن صاحب القرار مازال يعمل بالعقلية القديمة، وبدأ يتضح من خلال الأحداث الأخيرة، أنه بدأ يستحضر تراث صناعة الخوف،ولذلك بدأت الأقاويل تكثر عن الأيادى الخارجية والطرف الثالث. من كان يقف خلف حوادث الفتنة الطائفية فى ظل النظام السابق؟ - أولاً لابد من القول إن الفتنة الطائفية ظاهرة تاريخية، بسبب الأزمة القائمة فى العلاقة بين المسيحيين والمسلمين فى مصر، هذه الأزمة جعلت العلاقة بين الطرفين متوترة دائما، وقد وصل الأمر فى بعض حقب التاريخ إلى ما يمكن أن نسميه اضطهاد فعلياً ضد الأقباط، لكن التطور فى الزمن وفى العقلية المصرية غير الأمر، ولكنه لم يلغ الأزمة المتأصلة فى النفوس، الأمر الأخر أنه عندما يكون هناك نظاما سياسياً فاشلاً، فحتما سيختار الحلول الأسهل وفى تلك الحالة تكون صناعة الأزمات وافتعال الأشياء لإلهاء الشعب، وتشتيت الناس حتى لا يتشكل رأى عام شعبى يعارض النظام فى الأزمة المحيطة به، وحوادث الفتنة من أكثر الأمور التى من شأنها التغطية على هذا الفشل خاصة أن التوجه الطائفى لدى المصريين موجود بالفعل وكل ما يفعله النظام للتغطية على أزمته أن يقوم بتوجيه إعلامه. ما هى أبرز الأزمات التى تعرض لها النظام وحاول التعمية عليها بأحداث طائفية أو بافتعال أزمات أخري؟ شهدت السنوات العشر الماضية أزمات لا تنتهى لعل أبرزها المظاهرات الفئوية التى بدأ صوتها يعلو وكانت طلباتها تدور ما بين المطالبة بالتعيين، أو تثبيت العمالة أو تحسين الأجور، وأزمة انقطاع المياه والبوتجاز وأزمة البنزين المتكررة، أثناء تلك الأزمات وقعت حوادث طائفية كبيرة على رأسها حادث الكشح ونجع حمادى والقديسين وقد استغل النظام هذه الأحداث لشغل الناس عما يدور فى الساحتين السياسية والاقتصادية. كيف أدار جهاز أمن الدولة ملف الفتنة الطائفية؟ - جهاز أمن الدولة أدار الملف بشكل طائفى فعندما كان يحدث نزاعا بين مسلم ومسيحي، لم يكن هذا النزاع يفض من خلال قسم الشرطة ولكن كان يشترط على الاثنين أن يعرضوا على أمن الدولة، وهذا الإصرار على عرض كل المشاكل بين المسلمين والمسيحيين على جهاز أمن الدولة هو ترسيخ للطائفية، وتأجيج للفتنة لأن ضباط أمن الدولة لم يكونوا يفعلون شيئا فى النزاعات البسيطة إلا الضغط على كل الأطراف من أجل التصالح، وهذا الضغط يؤدى إلى استفزاز يتراكم مع الوقت، لأن كل طرف يعتقد فى نفسه أن ضباط أمن الدولة يعملون لصالح الطرف الآخر، لأن النظام كان ينظر للملف الطائفى من الجهة الأمنية فقط، ولم ينظر إلى المشكلة بجوانبها المتعددة الاقتصادية والأجتماعية والسياسية. هل كان النظام السابق وأجهزته الأمنية يستخدمان الإعلام لإدارة ملف الفتنة الطائفية؟ - القضية أعمق من ذلك كثيرا، فلكل نظام سياسى أهداف وبرامج يسعى إلى تحقيقها وهو يمتلك الأدوات التى تمكنه من ذلك ومن هذه الأدوات الإعلام فهناك إعلاميون متأصلون فى الجرائد القومية والإعلام الحكومى وهم تابعون للنظام ينظرون إلى بوصلته ويحطون رحالهم حيث تتوجه البوصلة وحيث يريد النظام فإذا أراد التعمية على شئ كانوا هم الأداة فى ذلك وقد كان هذا الأمر بمثابة الضمير الجمعى للأعلام الموجه، الذى ينفذ ما يريد النظام لا ما يريده الناس منه.