ضعف الدولة فى عهدى السادات ومبارك زاد من سطوة الأحكام العرفية التهجير القسرى للأفراد أو الجماعات يعتبر مشكلة اجتماعية خطيرة ، تحدث بسبب الجهل وانتشار ثقافة التمييز، فمثلا عندما تحدث مشاكل بين المسلمين والأقباط يحتكمون للمجالس العرفية لفض هذه المنازعات والتى يكون حكمها بتهجير العائلة بأكملها فكيف يمكن أن نقبل تهجير بعض الأسر وطردهم خارج قراهم، فما هى الآثار الاجتماعية لهذا التهجير وما مدى صلاحية تلك الأحكام العرفية وهل يجب أن يأخذ بها فى بلد يحكمه القانون؟! ....! توضح الدكتورة سامية قدرى استاذ علم الاجتماع كلية البنات جامعة عين شمس أن التهجير القسرى للعائلات معناه تقسيم البلد لأن كل المواطنين واحد سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين وهذا تعد على القانون ومخالف له وللأعراف وهذا تقسيم يهدد السلام الاجتماعى وكل الأشياء التى تنادى بها الدولة المدنية من العيش المشترك ، وكانت مصر تقبل طوال التاريخ مع كل الغزوات كل الوفود التى مرت معهم ولم تطردهم أو تهجرهم فإنها تقبل كل قابل يأتى إليها فكيف يأتى وقت يهجر المصريين بعضهم ،وتؤكد أنه يجب ان نقاوم الأحكام العرفية فمصر ليست قبيلة ويجب أن نعمم القانون ونقيم العدالة بين أبناء الوطن لأن الأخذ بما تصدره الأحكام العرفية يعتبر إزدواجية وبذلك لا نستطيع من خلالها أن نحقق مطالب الناس . وتقام الأحكام العرفية فى المجتمعات القبلية وكل مجلس عرفى له طريقته. أما د.على ليلة أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس فيرى أن المجتمع قد قطع شوطا كبيرا فى التحديث والوصول إلى المدنية الحديثة ، فالاستناد إلى الأحكام العرفية يعتبر نوعاً من الضعف من جانب الدولة ويدل على حالة من التخلف ، والمفروض أن الشخص الذى ارتكب جرما يجب أن يعاقب عليه بالقانون ولكن التهجير من الأماكن وإخلاء منازلهم ضد كل الأعراف وضد كل ما هو عادل وهذا يشير إلى خلل فى المجتمع وأن القانون غير موظف لأنه مع تطبيق القانون لا يحدث تهجير لأن العقاب يكون فرديا وليس جماعيا . والأحكام العرفية معمول بها من قديم وكانت لها قواعد وتخصصات فهناك من يحكم فى السرقات وهناك من يحكم فى القتل وغيرهما من الأمور ولكن قبل ظهور القانون ، ولكن أن تعقد هذه المجالس العرفية فى الأحداث بين المسيحيين والمسلمين فهذا يضر بالوحدة الوطنية ولكن الواجب أن يتحاكما للقانون لأن من ارتكب الجرم أضر بالمجتمع. أما فؤاد السعيد كبير الباحثين فى مركز الشرق للدراسات الأقليمية والإستراتيجية فيؤكد أن هناك فرقاً بين مجتمعات ما قبل الدولة ومجتمعات ما بعد الدولة ، ففى عهد جمال عبدالناصر وجدت شرعية الدولة الحديثة واحترام القانون لدولة قوية تقوم على أساس المواطنة والتساوى بين المواطنين ، ولكن فى السنوات الماضية فى عهدى السادات ومبارك ظهر الضعف الشديد للدولة وأن هذين النظامين أفقدا مصادر شرعية كثيرة للدولة ، نتج عن هذا الوضع أن كثيرا من المناطق فى الصعيد أو المناطق البدوية وغيرها تأثرت ببعض المجتمعات المحيطة بمصر والتى تفتقد إلى التقدم والحداثة حيث أصبح القانون العرفى الأقوى فى مقابل القانون الرسمى للدولة ،ونتيجة تدهور الثقافة السياسية وسيطرة بعض التيارات الدينية على الوعى السياسى فقد أدى ذلك إلى تقسيم الوطن ما بين مسيحيين ومسلمين واعتبر المواطن المسيحى مواطنا من الدرجة الثانية لأن الأغلبية مسلمة ، فوجد التحاكم والتخاصم لدى الشخصيات الكبيرة فى المنطقة لفض النزاعات بينهم ، ويرى أن الدولة فى عهد مبارك ساعدت كثيرا فى تقوية نفوذ المجالس العرفية لأنها خضعت للتدين الشعبى ، وهذا الوضع يضر بفكرة المواطنة التى هى أساس الدولة الحديثة ، ويشير إلى وجود بعض الأجهزة الأمنية والتى لاتزال على ولائها للنظام السابق بعد ثورة يناير تحاول تضخيم وتعقيد العلاقات الاجتماعية للمجتمع ، فعلاقة حب بين فتاة مسيحية وفتى مسلم أو العكس ليست جديدة على المجتمع وكانت تحل بشكل هادئ بسيط ولكن تحويلها لأزمة سياسية فهذا يحدث بفعل بعض القوى التى من مصلحتها تهييج الرأى العام وتضخيم هذه الأزمة لاستخدامها ك «كارت إرهاب» للمجتمع من المنطلق الديني.