يوصف محمود شكوكو بأنه أحد عباقرة الزمن الجميل، اقتحم مجال التمثيل والمونولوج واشتهر بالجلباب البلدى والطاقية الطويلة التي يضعها على رأسه وهو يغني، حب الجمهور له دفع أحد النحاتين إلى صنع تمثال له من طين الصلصال وعرضه للبيع، عبقريته الفنية جعلته يحيى فن الأراجوز الذي كان قد اندثر لدرجة أنه غنى للأراجوز قائلا: "الأراجوز يا سلام سلم"، كما أنه ساهم في إنشاء مسرح العرائس، وهو أول فنان يطلق اسمه على محطة أتوبيس، إنه ملك المونولوج "محمود شكوكو". رغم كل هذه العبقرية، كان "شكوكو" أميًا يجهل القراءة والكتابة، فقط ما يعلمه هو الغناء بخفة ظل والنجارة، المهنة التي رفض تركها حتى بعد شهرته، أما عن طريقة إلقائه للمونولوجات فقد ابتكرها بنفسه. ظل شكوكو يلقى هذه المونولوجات والأغانى في الأفراح الشعبية، كخطوة أولى في تاريخه الفني، إلى أن التقى بالفنان "على الكسار" الذي أعجب به واختاره ليقدم المونولوجات بين فصول المسرحيات ولاحظ تفاعل الجمهور معه وإعجابهم به فرفع أجره ومن هنا تعرف محمود شكوكو على عدد كبير من المؤلفين والملحنين. وفى ذات مرة ابتسم له الحظ، وفتحت له الإذاعة المصرية أبوابها عندما قررت نقل حفل على الهواء من نادي الزمالك بمناسبة عيد شم النسيم فاختاره الإذاعى محمد فتحى ليشارك في الحفل وتسمعه الجماهير في مصر من خلال الراديو ويسمعه الموجودون داخل حديقة النادي وبعد أن انتهى من إلقاء مونولوجاته الفكاهية هتف الحاضرون: "عايزين شكوكو... عايزين شكوكو"؛ فاضطر محمد فتحى لإعادته إلى المسرح ليغنى ويلقى المونولوجات وكانت أول وآخر مرة يظهر فيها مطرب أو مونولوجيست مرتين على المسرح ويغنى في الإذاعة في اليوم نفسه. في عام 1946 كون "شكوكو" فرقة استعراضية باسمه تضم عبد العزيز محمود وتحية كاريوكا وسميحة توفيق وقدمت عروضها على مسرح حديقة الأزبكية بالقاهرة وكان يقوم بتصنيع العرائس الخشبية بنفسه وقدم بعض مسرحيات العرائس مثل "السندباد البلدي" و"الكونت دى مونت شكوكو" وكلاهما من تلحين محمود الشريف وسيد مكاوى ومن إخراج صلاح السقا وعلى الرغم من أن مسرح محمود شكوكو للعرائس توقف نشاطه أواخر عام 1963 لضيق الأحوال المادية إلا أنه كان البداية الحقيقية لإنشاء مسرح القاهرة للعرائس. عبقرية "شكوكو" لم تقف عند حدود مصر والدول العربية؛ بل أتاحت له موهبته الفرصة كى يطوف الكثير من بلدان أوروبا وأمريكا اللاتينية بعرائس الأراجوز الخشبية. لم تقتصر مونولوجات "شكوكو" في أهدافها على الترفيه والتسلية بل تناولت قضايا مهمة يعانى منها المجتمع المصري، حاليًا، وكأنه كان يقرأ الطالع، فعن حال الشباب قال: "من بعد شباب الأيام دى حكايتهم زى الحدوتة على البعد تقول ده أفندى تقرب تقول بنوتة.. على الناصية وعلى باب السيما بسمع قلة قيمة". ولم يغفل عن الحالة الاقتصادية، فغنى للجنيه قائلًا: "السح الدح إمبو الواد طالع لأبوه.. يا عينى يا كبدى عليه الحلو اللى اسمه جنيه.. الحلو اللى اسمه جنيه ليه قمته قلت ليه وخصوصا لو فكوه". وكان ما يدعو للدهشة، هو تغنى "شكوكو" بالفرانكو أراب، قبل انتشاره بين الشباب المصرى بأعوام وأعوام وكأنه ساحر "مش فنان"، فقال في مونولوج لا تكذبي: "لا لا لا تكذبي.. إنى رأيتكما معا وبالأمارة كنتى في بيت الحبيب متربعة.. لماذا يا هذا لم يقل لك هذا..الحب أصعب من عضة الكلب الحب قوة ميقدرش عليها إلا الجبار الحب فتنة الحب خرب بيتنا". "شكوكو" كان له دور في مكافحة الاحتلال الإنجليزي، حيث كانت تُصنع له تماثيل تجسد شكله، ويتم استبدالها مع الباعة بالزجاجات الفارغة التي كان يجمعها أفراد المقاومة ويملأونها بعد ذلك بالمواد الحارقة لتصبح قنابل مولوتوف يلقونها على جنود الاحتلال، وكان الباعة ينادون "شكوكو بإزازة". بساطة "شكوكو" في كل شىء، لم تجعل حبه حكرًا على البسطاء والعامة، بل عشقه الرؤساء والملوك، ومن القصص الطريفة في هذا الإطار أنه في منتصف الأربعينيات كان في إنجلترا، وعاد من هناك بسيارة "سبور" جديدة ماركتها رالى ولونها أحمر، وما إن ظهرت بجمرك الإسكندرية حتى تم الحجز عليها، ومنعها من الدخول بسبب لونها الأحمر الملكى الذي كان حكرا على الملك فاروق، فقام شكوكو بالاتصال بالنحاس الذي أبلغ الملك رافعا له استغاثة شكوكو، فأجاز له قيادة السيارة قائلا "شكوكو بس اللى يركب عربية حمراء". خفة ظل "شكوكو" كانت كفيلة بأن تخرج أي شخص عن وقاره وهدوئه، فرغم الحديث الدائم عن جدية "أنور السادات"، إلا أنه عندما تقرر منح "شكوكو"، جائزة الدولة التقديرية في عيد الفن تقديرا له، وكانت فرحة شكوكو عارمة بهذا التقدير حتى إنه ظل أياما قبل الحفل يحفظ كلمته المملوءة بالمشاعر الفياضة، والتي سيقولها في حضور الرئيس أثناء تسلمه الجائزة، لكن لحظة أن مد يده بالسلام تبخرت الكلمات، فقال له مرتجلا "ساعة ما بشوفك بيروح منى الكلام وأنساه" فتعالت الضحكات واحتضنه السادات مهنئا. تلقائيته واستغلاله للمواقف، ساعدته كثيرًا في مشواره الفني، ومن بين المواقف التي تدل على ذلك، أنه عندما لحن عبدالوهاب أوبريت "كلام جميل" من فيلم عنبر، وأدى شكوكو الجزء الخاص به والذي يقول "من ناحية قلبى ونار قلبى باتحبب موت وحبيبى لو غاب يوم عندى هرقع ميت صوت" أعجب عبدالوهاب بأداء شكوكو وقال له "يا محمود صوتك فيه بحة عاجبانى وعاوز ألحن لك حاجة تانية" فسارع شكوكو يعرض عليه كلمات كان يحتفظ بها أعجبت عبدالوهاب، فلحن له "يا دابحة قلبى بإزازة لماذا الظلم ده لماذا". وكان ل"شكوكو" رومانسيته الخاصة، التي كان يعبر عنها في مونولوجاته؛ فعن الحب من طرف واحد، قال: "ليلى طال.. وليله لأ..ليله لأ.. وليلى طال..قلبى ماله.. وقلبه لأ..والله طيب.. والله عال..ليلى طال.. وليله لأ..لما شفته اتخض قلبى وقال يا ماما..كنت قبل هواه ف غاية الاستقامة..قل أعوذوا لما اعوزه.. ويقابلنى لاوى بوزه..ابقى يوسف وهبى واشطر ف الدراما". وفى عصره استغل الشباب هذه الجمل في التعبير عن حبهم للفتيات ولفت انتباههن بخفة ظل؛ فساهم في توفيق رءوس في الحلال. رحل شكوكو عن عالمنا في 21 فبراير عام 1985، بعدما اشتد عليه المرض وتم نقله إلى مستشفى المقاولون العرب بالجبل الأخضر بمدينة نصر بالقاهرة وظل بها أكثر من 3 أشهرحتي فاضت روحه ورحلت معها الضحكة الحلوة.