في رأيى، كانت ثورة 25 يناير من أعظم الثورات التي مرت على الشعب المصري عبر تاريخه الطويل، لكنها كانت كاشفة عن كم هائل من الثقوب والعيوب والتشوهات، التي ظلت مكبوتة في صدره طوال عقود من الاستبداد والقمع والبطش والتنكيل.. جاءت الثورة كلحظة انفجار، أخرجت كل ما في جعبة الشخصية المصرية من مساوئ، خاصة بعد أن أحست أنها حققت شيئًا من الانتصار، أقصد تنحية الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن موقعه.. لقد برزت التشوهات على حقيقتها وطبيعتها؛ من انتهازية، وميل شديد للعنف، علاوة على التسيب والإهمال وعدم الانضباط، ناهينا عن الفساد المتغلغل في كل مناحى الحياة.. لذا، رسبت -أو بمعنى أدق- رسب من أرادوا تطويعها واستخدامها لمصالحهم الضيقة، عند أول منعطف.. كان من المستحيل أن تمضي في خط واضح ومستقيم لتصل في النهاية إلى غاياتها ومراميها، لكن للأسف.. دخلت وتاهت في منعطفات كثيرة، ذات تفرعات مختلفة ومتعددة، متشابكة ومعقدة.. وكان لابد من ثورة أخرى.. فما أن لاحت ورقة في الأفق تنادي بانتخابات رئاسية مبكرة، حتى نهض شعب مصر عن بكرة أبيه استجابة للنداء.. وقامت تظاهرات، وعلت هتافات تطالب بإسقاط «حكم المرشد».. وفى 30 يونيو ثار الملايين من شعب مصر في الشوارع والميادين، غضبًا ورفضًا.. وأهل الحكم من الإخوان نائمون يغطون في سبات عميق، غير مدركين ما يجري على أرض الواقع.. وكان لابد للقوات المسلحة أن تتدخل؛ استجابة لإرادة الشعب، وحماية لمصر؛ شعبًا ووطنًا من الانزلاق في هاوية العنف، وصيانة لاستقلالها الوطنى.. مرة أخرى، لم تمض أشهر قليلة إلا وعاد شعب مصر، لا إلى الالتفاف حول ثورتيه العظيمتين، ولكن لإثارة الغبار والاختلاف حولهما، في جدل «بيزنطي» عقيم، مضيعًا الطاقة والجهد والوقت، رغم ذلك كله، فالطريق سهل ميسور، خاصة إذا خلصت النوايا وصدق العزم، فقديمًا قالوا: إذا صدق العزم، وضح السبيل.. وقالوا أيضًا: إن صح منك الهوى، أرشدت للحيل.. لكن المشكلة تكمن في ضعف الإرادة، وفتور الهمة، والركون إلى إلقاء التهم على الآخرين ودون محاولة لأخذ زمام المباداة.. فريق من الإسلاميين يحلم ويتمنى في كل لحظة أن تسقط الدولة بكل مؤسساتها، أملا في استعادة ما فقده من حكم، فشل هو في إدارته.. هذا الفريق ينام ويستيقظ صبيحة كل يوم على أمل أن تنبطح مؤسسات الدولة أمامه، طالبة الصفح والعفو والغفران.. وهذا -لعمرى- دليل على الغيبوبة التي يعيش فيها.. وما لم يفق من غيبوبته، ويراجع فكره، ويعيد حساباته، ويقر بأخطائه وخطاياه، فسوف يظل هكذا يضرب في تيه، ويجرى وراء سراب، ولله الأمر من قبل ومن بعد..