عبر المترجم الألماني فِندريش عن اعتقاده أن ترجمة الأدب العربي وتلقيه في الفضاء الألماني أصبح حاليًا أمرًا صعبًا بسبب تحديات سياسية وعدم تشجيع الطرف العربي هذا القطاع وتمويله، رغم وجود فرص المنافسة على جائزة نوبل. ولمع نجم الدكتور الألماني هارتموت فِندريش، 72 عامًا، في سماء ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الألمانية منذ ثمانينيات القرن المنصرم. درس فِندريش العلوم الإسلامية واللغات السامية والفلسفة في كل من توبنجن ومونستر في ألمانيا، وفي لوس أنجلوس وفيلادلفيا بالولايات المتحدةالأمريكية، ثم درَّس اللغة العربية وتاريخ الثقافة الإسلامية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ بين 1978 و2014، كما درَّس كذلك في كل من جامعة فرايبورج في ألمانيا، وجامعة ليون في فرنسا، وجامعة نابولي في إيطاليا. منذ 1982 بدأ فِندريش رحلته في مجال الترجمة بأعمال للفلسطينيَّين غسان كنفاني وسحر خليفة، ثم تتابعت الترجمات ليصل عددها لأكثر من ستين عملًا أدبيًّا للعديد من الكتاب العرب: «جمال الغيطاني، صنع الله إبراهيم، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، وإدوارد الخراط، سلوى بكر، علاء الأسواني، إبراهيم الكوني، محمد البساطي، إيميل حبيبي ونجيب محفوظ»، على سبيل المثال لا الحصر، وأشرف بين 1984 و2010 على إصدار سلسلة الأدب العربي في دار لينوس السويسرية. إلى جانب التقدير والتكريم الذي حظي به فقد تلقى فِندريش العديد من الجوائز في البلاد العربية لإسهاماته في الترجمة: «جائزة الترجمة من جامعة الدول العربية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وتكريم المجلس الأعلى للثقافة في مصر، عضوية لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية، ميدالية جوزف زعرور من جامعة القديس يوسف في لبنان»، كما حصد العديد من الجوائز في أوروبا مثل جائزة خاتم هيرونيموس من رابطة الكتاب الألمان، وجوائز تقديرية من مدينة بيرن وكانتون بيرن في سويسرا، قبل نحو شهر منحه المكتب الفيدرالي للثقافة في سويسرا جائزة الأدب السويسرية جائزة خاصة بالترجمة. وفي حوار مع «دويتش فيله» قال: «حصلت قبل أيام على جائزة الأدب السويسرية: جائزة خاصة بالترجمة" ولا أرى الأمر مستغربًا، بل منطقي وصادق ومتسق، فأي ترجمة لكتاب هي نوع من العمل الجماعي بين المؤلف والمترجم، والمترجم هو من يجعل الأدب أدبًا عالميًا وأن ينال مترجم جائزة أدبية هو أمر طبيعي للغاية، ولكن أن أنال أنا أرفع جائزة أدبية سويسرية! هنا تكمن المفأجأة، لأن دور الأدب العربي في سوق الأعمال الأدبية هنا ضئيل للغاية. وأضاف أن هذه الجائزة أرفع تكريم ناله حتى الآن، وينطبق هذا بشكل خاص على حسابه المصرفي، والذي لم تساهم الجوائز العربية في رفع رصيده أبدًا بشكل رئيسي كافأني العرب حتى الآن على إنجازي الجبار كما نقول في سويسرا، من خلال كلمات الثناء. وتابع: «أعتقد أنه يتوجب علينا فصل الأدب عن الأحداث السياسية المباشرة الراهنة. ظهرت أهم الروايات عن الوحدة الألمانية بعد سنوات من أحداث 1989-1990، ولن يزيد قدوم مليون لأجئ من سوريا من أهمية الأدب العربي، غير أن قراءة المزيد من الأدب من العالم العربي قد يمكن المرء من فهم الكثير من الأحداث هناك بشكل أفضل. وعن معايير اختيار العمل الأدبي لترجمته إلى الألمانية أن التعريف الشهير للرواية هو أن الرواية تخبرنا بقصة حدوته أو حكاية، وهذا يعني أن هناك قصة عن فرد، عن مجموعة، عن جماعة سياسية وهلم جرًا، حتى تبدو مقنعة لابد أن تُروى بشكل جيد، وإنه أمر ثانوي أن يفوز الخير أو الشر وكل شيء ممكن، بشرط أن تكون الصنعة الأدبية جيدة، سواء نحى الكاتب منحى الرواية الجديدة أو الأدب العربي الكلاسيكي أو منحى تشارلز ديكنز. وحول أصعب التحديات التي تواجه مترجم الأدب العربي إلى الألمانية، أكد أنه ربما هو إقناع الناشر بأن كل الروايات في العالم لا تتبع نمط كتابة ثابت، ويجب علينا أن نتعود على حقيقة تغير أشكال الروايات التي تختلف باختلاف مناطق العالم. وأشار إلى أن طريقته في الترجمة كما هي طريقة الملايين من المترجمين: القراءة، ثم ترجمة أولية، ثم الشغل على أسلوب اللغة التي نترجم إليها وحل الإشكاليات اللغوية وإشكاليات المضمون، ثم توجيه أسئلة للمؤلف، وأخيرًا إنجاز الترجمة بشكلها النهائي. وعن المؤهلات التي يجب أن تتوافر لدى مترجم الأدب بشكل عام والأدب العربي بشكل خاص، أكد أنها الصبر والاعتياد على الجلوس على الكرسي، فالترجمة عمل يستغرق وقتًا طويلًا جدًا، والرضى بالقليل من الناحية المادية، فمردود الترجمة ضعيف، وأن لاتهزنا لامبالاة الجمهور الألماني بالأدب العربي، فلا يمكننا التعويل على مساعدة المؤسسات العربية. وقال إن بعض الترجمات تُمّول من طرف بعض دور النشر، ومن بعض المؤسسات الخاصة، وغالبًا من خلال دعم حكومي للثقافة: مثل "جمعية دعم الأدب الأفريقي والاسيوي والأمريكي اللاتيني" Litprom في فرانكفورت بالتعاون مع وزارة الخارجية، ومؤسسةPro Helvetia السويسرية. وعن دور الحكومات العربية نفسها في ضعف نقل الأدب العربي، قال إ دور الحكومات العربية في هذا المضمار ضعيف جدًا، وهذا يعود من الناحية العملية إلى أن علاقة كل الحكومات العربية مع معظم مبدعي الثقافة مضطربة تمامًا، ولأن وضع اللغة الألمانية ليس هو وضع الإنجليزية، فالترجمات إلى الإنجليزية يتم دعمها بشكل أكثر، ويتم التودد للمترجم أكثر، وخلال انشغاله في الترجمة على مدى35 سنة لم يتواصل معه أي ملحق ثقافي من أي سفارة عربية ليتعرف عليّه. هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل