نائم بجانبي على الفراش، يده تُطوق عُنقي وتكاد تخنُقني، أحبس أنفاسي لئلا يستيقظ، ولكنني أستمتع برحيق أنفاسه، ألهذه الدرجة يُحبني! بالتأكيد أنا أسعد مخلوقة، أعشق نسمة الهواء التي يستنشقها، رفعت يده بخفة عن عُنقي، تفرست في وجهه وهو يغُط في نومٍ عميق، مجنونة أنا بحبه، وضعت أذني على صدره، نعم قلبه ينبض بالحياة، أشعر بدفء حُبه ينعش كل خلية بجسدي، اقتربت برفق من وجهه وهمست، بحبك لآخر نفس في عمري، شفتاي تُمطر وجهه بقُبلاتي، طوقته بذراعي، سحبت الغطاء وأغمضت عيوني. مرت الأيام والسنين، وكلانا ينهل من ينابيع هذا الحُب الفياض، نقهر بقوة هذا الحب المُقدس أي تحديات قد تواجهنا، لا نفترق عن بعضنا إلا في أوقات العمل، نُحلق بسعادتنا ومشاعرنا فوق الأرضيات، نرفرف مثل الطيور والفراشات في الفضاء الواسع وكأن ليس سوانا في الفضاء، ضحكاتنا تداعب نجوم السماء، الزهور تتراقص من حولنا على أنغام سيمفونية حُبنا، لا نهتم كثيرا بما يقوله الآخرين، نركب العجل ونطوف الشوارع نتسابق، تتشابك أيدينا وكأن أرواحنا تتعانق، يحوط خاصرتي بيده ويقبلني على مرأي ومسمع من الناس، مُش مُهم الناس، مُش مُهم حيقولوا إيه، المُهم نعيش هذه اللحظات الجميلة من عُمرنا، لا نريد أن نُفكر في المستقبل وما الذي تحمله لنا الأيام من مفاجآت! عزمني على العشاء في مطعم شيك جدًا، المكان هادئ رومانسي، رقصنا فتمايلت أجسادنا على أنغام الموسيقي الهادئة، كانت مقطوعة موسيقية لعزف صوليست على آلة الساكسفون، وكان يُصاحب عازف الساكسفون عازف على البيانو وعازف آخر على الجيتار، أنا أعشق موسيقي آلة الساكسفون، الساكسفون إحدي آلات النفخ واخترعها واحدًا يُدعي أدولف ساكس. جلسنا نستكمل العشاء، تجاذبنا حُلو الحديث والذكريات الرائعة، وفجأة قال على فكرة، أنا عايز أنام في غرفة منفصلة، فغرت فاهي من وقع الصدمة! لماذا؟ عايز يكون لي خصوصياتي! لم أنم هذه الليلة، هل هُوّ أيضًا لم ينم مثلي؟ ربما يمزح ويداعبني كعادته ليُدخل البهجة إلى نفسي، إستعديت لأذهب إلى عملي، قبلته فأحتواني بذراعيه وقبلني، ولكن عيوننا لم تتلاقي، ولم يُداعبني بكلماته التي تُدغدغ أحاسيسي، لم يقُل لي أنت أجمل وأرق امرأة في الدنيا! السيارة غيرت مسارها، من العيادة حيث عملي كطبيبة إلى المقابر حيث يرقد الأحباء، إجهشت عيوني بالبكاء والألم واللوعة، في غفلة من الزمن سيضيع مني عُمري وحُبي، أبكي وأنظر خلفي فيطالعني أجمل شئ في حياتي، وجهه الجميل وضحكته التي يتردد صداها في أذني حتى ولو لم يكن معي، أبكي وأنظر إلى القبر أبثه شكواي ولوعتي. في طريق العودة للمنزل، هدأت نفسي بأن هذا حلم سخيف أو كابوس بالتأكيد سينتهي، ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن، لقد جهز إحدي غُرف المنزل لإقامته، نمت هذه الليلة بمفردي ولكن لم يغفل لي جفن، أتحسس مكانه الشاغر فأبكي، السرير أصبح بالنسبة لي مثل ثلاجة الموتي، بدأت أتعاطي مهدئات وبدأت أمرض، أكيد فيه أخرى ! بدأت أدعبس في خصوصياته، وجدت مجموعة صور تجمع بينه وبين امرأة جميلة صغيرة تشبهني إلى حد ما، واجهته، اعترف بأنه يحبها وسيتزوجها، طار عقلي، لن أسمح لها أن تأخذك مني، أنا أعطيتك عُمري كله، أحببتك أكثر من أي شئ في الوجود حتى نفسي، وأنا كمان بحبك ولن أنسي حُبِك ولكن أنا قررت أن أتزوجها. الدنيا إظلمت في وجهي، فقدت توازني، على جثتي أن يتزوجها، لابد من التخلص منها حتى لو إستدعي الأمر قتلها، الغيرة تقُتلني، لابُد من إسترداد حبيب عُمري، أنا عشت عُمري كله من أجله، أنا أعطيته كل ذرة من كياني، لن أسمح لها أن تُدمر حياتي وتأخذ أغلي شئ عندي في الوجود. ساءت العلاقة بيننا، أشعر بألم يعتصره وحيرة تملأ كل كيانه، عيونه تنظر إليّ بشفقة وحنان جارف، قلبي ينزف دموعًا عليه، ولكن لن تأخذه مني أخرى ! تراجعت عن فكرة قتلها لئلا أفقده للأبد! لابد من أن أضحي من أجل سعادته حتى ولو على جثتي لأنه كل شئ بالنسبة لي. وجدت ظرف على مكتبي، فتحته وإذ به دعوة منه لحضور حفل زفافه، بكيت وبكيت وبكيت، لست أدري لماذا بكيت ولكن المُهم لابد من حضور زفافه، لابد من أن أشاركه فرحته وإن كان على حساب سعادتي، ولابد أيضًا أن أكون أجمل وأشيك امرأة في الحفل بل في الدنيا كلها كما اعتاد أن يُغازلني. دخلت الحفل وأنا مُتألقة مُتأنقة، لمحته من بعيد يتحدث مع عروسه والفرحة تملأ عيونه، فرحت لفرحته وسعدت لسعادته، لم أشعر بغيرة أو مرارة من عروسه بل تمنيت أن تكون سببًا لسعادته. بمجرد أن رآني ترك عروسه وجاء مُسرعًا نحوي، تسمرت في مكاني، اقترب مني وقبل أن ينطق بكلمة أعطيته مظروف فتحه بلهفه ليجد بداخله صورة، إرتمي في حضني يبكي، ماما دي صورة زفافك إنت وبابا، ماما حُبك أنت لا يمكن أن يُعادله أي حُب في الدنيا وده حال الدنيا! طبعًا ياحبيبي أنا أسعد مخلوقة النهاردة، المُهم تخلي بالك من عروستك وتحبها زي ما أنا بحبك، أخذني في حضنه يمطرني بقبلاته الحانية، وكاد يكسر عظامي بذراعيه القويتين، فكرني بمحبة أبوه وقوة ذراعيه!