«هل تم فتح القسطنطينية» لم تكن الصعوبة في تكوين مفردات الكلمات أو تنسيق نمط العبارات إنما الصعوبة تكمن في وصف ما يدور في خُلدى وما كان.. فواقع هذا العصر باتت تحكمه مقاييس مختلفة عما ألفناه وما كان. وبعيدا عن تلك العباءة الفكرية القديمة فلم تعد حجم العدائيات التي واجهها أسلافنا نحياها نحن اليوم، فلوغاريتمات العداء لهذا العصر لم تعطينا الخيار.. جعلت منا مصارعين ولم تكن الصعوبة قاصرة على جدية الصراع، فالعدو لم يعد قاصرا على ما هو خارج وداخل حلبة الصراع، إنما بات كائن حي وآفة تنهش في جسد حتى خرّ صريع، فأن تعيش الواقع في هذا العصر لا مناص من أن تكون مصارع تصارع كل آفاته بيقين دافع لكلّ أمل واصرار على الخروج من هذا المستنقع الذي أضحى الفُجر فيه قابع. حلبة الصراع تتكون من أرض وأربعة أركان والمتصارعين، فمن ملك أركانها ثبت على أرضها وانتصر.. ولننظر إلى حلبة صراعنا وأركانها وما آلت اليه حياتنا، فركنها الأول هو الدين الذي أضحى كالعجين من زيت التدين الحارق ودقيقة المبعثر في فرقة وطوائفة وماءه الذي تعكر بدماء المنتمين له فدخل العجين الفرن ليكون المتأسلمين دوما مدانين في كل وقت وحين والكل ينعق بأن هذا هو الإسلام والمسلمين. والركن الثانى وهو الحضارة التي باتت منهارة بطمس معالمها ودفن أصولها وقلب حقائقها بأيدى العقول الغدّارة والنفوس الأمارة التي لقطتها السنارة بطُعم الإمارة. اما اللغة هي الركن الثالث للحلبة التي باتت سُبة في جبين كل ناطق بها فتم تفريغها من مضمونها ودلالتها ليستقر في الوجدان ما اعتاد عليه اللسان لنصبح في خبر كان. فالهوية هي الركن الرابع للحلبة البركانية، فالانتماء أصبح لعقيدة دموية أو فكرة تدميرية فآلت الأوطان إلى حمم تستعر بأناس مغوية، نظر المحارب المصارع ( الجسد ) فلم يجد أركان يستند اليها فظل عاريا من كل شيء إلى أن هوى صريعا دون المساس به. المحارب ترك الوطن يستفحل فيه الآفات فخرّ صريعا والشعوب تركت نفسها للتعصب والإقتتال فاستحقوا العقاب التشرد والفناء. " بعثنا عليكم عبادا لنا " ربما يكون الخير كأمن في الشر ومن الألم أمل ومن الحرب حب ومن الموت حياة ومن المخاض مولود جديد ( المبعوثون ). ستخرج الأجيال القادمة عاصفة بكل ما كان وسبّب هدم الأركان لتُعيد بنائها على الحب والوحدة والعزيمة.. الحق نصب أعينهم والعزة ردائهم والإنسانية شيمهم والأوطان هدفهم والوحدة سلاحهم متوكلين على بارئهم ووليهم فتكون الغلبة لهم. فكان السؤال.. هل تم فتح القسطنطينية وعلى يد من.. فكانت الاجابة في السؤال والسؤال من الاجابة.