الحرب بين علماء الدين ورجاله من ناحية، وبين المثقفين والمفكرين والمتمسحين بهم من ناحية ثانية، لا يتوقف أوارها، ولن تضع أوزارها، ولكن سوف تبقى أبد الدهر مشتعلة، فكل فريق يرى أنه الأكثر وعيا وإدراكا والأغزر علما من الفريق الآخر.. السطور التالية تحمل وجهتى نظر متناقضتين بين الأديب مكاوى سعيد، ممثلا لجموع المثقفين ومستشار شيخ الأزهر الدكتور محمود مهنا، مندوبا عن علماء الدين، بشأن الصراع المحموم والمحتدم بين الشيخ والمثقف، والذي تجدد مؤخرا إثر رفض الأزهر الشريف ترشيحات لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة التي يشغل عضويتها مكاوى سعيد، لنيل جائزة فيصل، والتي شملت سيد القمنى وإسلام بحيرى بداعى خدمتهما للإسلام!!! مكاوى نحن أكثر فهما للأديان يرى الكاتب والروائى مكاوى سعيد، أن المثقف أكثر وعيا وفهما للشرائع والتعاليم الإسلامية من معظم رجال الدين. "سعيد" يبرر وجهة نظره بأن المثقف قارئ نهم في شتى العلوم والعلوم الدينية عكس ما يظنه القائمون على المؤسسات الدينية، التي تتعامل مع التراث الدينى باعتباره مقدسا رغم ما يحويه من كثير من الموروثات غير الحقيقية، والأساطير والخزعبلات والإسرائيليات، على حد تعبيره "مكاوى سعيد" أردف قائلا: إن هناك كثيرا من الشيوخ يعتقدون أنهم يملكون مفاتيح وبوابات الدين وأنهم الوحيدون المؤهلون للحديث عن الفقه والشرائع الدينية، وهؤلاء يرفضون أي اجتهادات من جانب المثقف على اعتبار أن له اهتمامات بمجالات أخرى، مشددا على أن المثقف يفهم في الدين أكثر من بعض القائمين عليه والمشتغلين به حاليا. وأوضح سعيد أن استمرار رفض المؤسسات الدينية والأزهر الشريف، من اسماهم المجتهدين والمجددين في الدين من خارج المؤسسة نفسها، يعكس رغبتها المحمومة في الحفاظ على مصالحها حفاظا مستميتا، منوها إلى أن تجديد الخطاب الدينى ليس "دعوة رئيس"، ولكن حركة مجتمع بأكمله لا يجب أن يقف في صفوف المتفرجين على طرفى الجدال. وتابع "سعيد" قائلا: الرئيس عبدالفتاح السيسي طالب في مرات كثيرة وخطابات متعددة بضرورة تجديد الخطاب الدينى ولكن في المقابل ينتفض الأزهر الشريف ضد كل صاحب دعوة للتجديد ويلاحقه قضائيا، في الوقت الذي يرفض فيه تكفير التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش"!! وبالنسبة لتهمتى التكفير والالحاد التي تلاحق المجتهدين في كل زمان ومكان، قال مكاوى سعيد: الهدف من تلك التهم هو الحفاظ على مكاسب المؤسسات الدينية التي تظن أنها الجهة الوحيدة التي تمتلك ناصية الدين دون أحد سواها، لافتا مذكرًا ب المحن التي واجهها المفكرون والفلاسفة المتقدمون مثل: ابن سينا وابن رشد وابن عربى رغم أنه لاتجوز المقارنة بين هؤلاء وبين القمني وبحيري اللذين رشحتهما لجنة لنيل جائزة رفيعة بزعم خدمتهما للإسلام. يرى مكاوى سعيد أن كل العصور تشهد الحرب التي يشنها رجال الدين، سواء الإسلامى أو المسيحى، ضد كل من يعمل عقله ويفكر ويجتهد ويغرد خارج أسرابهم ويشرد عن مواكبهم، لافتا إلى أن تلك الصراعات لم تكن يوما لوجه الدين، ولكن فقط للحفاظ على المصالح الخاصة. أكد مكاوى أن الصراع بين المثقفين والمؤسسة الدينية، صراع أبدى لن يزول مطلقا، منوها إلى أنه في الوقت الذي تخلصت فيه أوربا من هذه الإشكالية، فإن الدول الإسلامية لا تزال غارقة في تلك الصراعات التي تؤخر ولا تقدم. مهنا بل أنتم الجاهلون يرى مستشار شيخ الأزهر الشريف الدكتور محمود مهنا، أن جميع معارضى الدين وأعدائه ومنتقديه هم جهلاء، غير أن جهلهم يتفاوت بين الجهل البسيط والجهل المعقد، مؤكدًا أن العداوة بين الدين والثقافة هي وليدة العصر الحالى ولم يكن لها وجود في التاريخ الإسلامى القديم، على حد قوله. مهنا أوضح أن النبى الكريم ظل يدعو إلى الإسلام 13 عاما في مكة، ولم يكذبه أو يشرع في التشكيك فيه أي شخص، حتى الذين وقفوا ضده ماكذبوه في أنه أتى بوحى صادق، مؤكدًا أن الإسلام ماعُودى أيام أبى جهل بمثل ما يعادى به الآن من أقزام وجهلاء يدعون الثقافة والفكر وهم منهما خواء. ويجزم "مهنا" بأن تلك الشرذمة الضالة، كما يصفها، التي دأبت على الطعن في الإسلام، بزعم تجديده، تتلقى دعما خارجيا لتنفيذ مخططها الآثم والمفضوح، مشددا على أن الأقنعة قد سقطت، والوجوه قد شاهت، وعليهم جميعا أن يعودوا إلى جحورهم، أو يبحثوا عن عمل آخر يقتاتون منه بعيدا عن الطعن في الإسلام ونبيه وسنته المطهرة. وأكد مهنا أن خلاصة الأمر تتمثل في أن هذه الحرب الفكرية التي يدشنها المثقفون تحت عباءة الغرب، تهدف إلى تشكيك المسلمين في بعضهم حتى يشرعوا في الاقتتال، بدليل أن الفاتيكان والمسيحية لاتحارب بحروب فكرية، ولايستطيع أحد المثقفين الاقتراب من ثوب التوراة، كما يهدف ذلك العداء إلى عدم إيصال الإسلام إلى الغرب، حتى لاينتشر هناك ولا تكبر شوكة الإسلام، على الرغم من أن حقيقة الإسلام تتمثل في أنه دين المحبة والطب والهندسة والعسكرية المنضبطة فهو الدين الذي استهل رسالته إلى الأرض بكلمة "اقرأ". واختتم مهنا تصريحاته ل"فيتو" مشددا على أن من يطعنون في الإسلام بين الحين والآخر وينالون من سنة نبيه الكريم " جهلاء جهلا مرتبا"، وبعيدون كل البعد عن الإسلام وعن نظرة الدين إلى الدنيا، قائلا: "ما أدخل البلاء على العرب والمسلمين، غير أولئك المثقفين والأدباء الذين يقرأون الكتب الماجنة قبل قراءة الإسلام، فهم ماجنون لايفقهون شيئًا في الدين.. أما من لم يتلقوا العلم كالفلاحين والمزارعين فهم أفضل من المثقفين لأنهم على فطرتهم التي خلقهم عليها الله، لذا يحسنون مناصرة الدين والدفاع عنه". وأكد مهنا أن الحل الوحيد لإعادة التوافق بين الثقافة والدين مرة أخرى، يتمثل في أن يقرأ المثقفون "ألف باء إسلام"، وألا تتم استضافتهم في وسائل الإعلام حتى لا ينشروا جهلهم وشططهم وخبائثهم التي يسمونها "فكرا وتجديدا".