عقد مركز الدراسات البينية ندوته العلمية الثانية بعنوان "الدراسات الثقافية"، وشارك فيها الناقد الأستاذ الدكتور سامي سليمان والدكتورة سامية سلام، وأدارتها الدكتور هشام زغلول. وبدأ سليمان قائلًا يدور التناول في ثلاثة مسارات: التعريف الموجز بالدراسات الثقافية وبيان التوجه البيني في ممارساتها، والتوقف عند بعض قضايا أو جوانب الأدب والثقافة العربية الحديثة والوسيطة وبيان إمكانية تناولها من منظور الدراسات الثقافية، بيان إمكانية قيام الدراسات الثقافية في لواقع العربي المعاصر. وأوضح سليمان بدايةً مفهوم الدراسات الثقافية وعرض الفروق بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، وخلص إلى أن الدراسات الثقافية ميدان من البحث المعاصر في العلوم الإنسانية والاجتماعية يقوم على التفاعل بين مجالين أو عدة مجالات. ويهدف إلى فهم الظواهر موضوع التحليل فهما أعمق مما يقدمه علم مفرد أو مجال بحثي منفرد، كما أن هذه الدراسات تقوم على تفاعل مداخل التحليل، وتتخذ من الثقافة بكافة أشكالها ميدانا لممارساتها التطبيقية. وتنحو الدراسات الثقافية إلى تناول موضوعات جديدة لم تكن مطروحة للبحث في الدراسات التقليدية؛ ومنها موضوعات الجنوسة والتهميش والتمثيل الثقافي والأدوار المتعددة التي تؤديها الثقافة في سياقاتها الاجتماعية والتاريخية. وتوقف سليمان بعد ذلك عند مجموعة من الموضوعات والقضايا المتصلة بالأدب العربي والثقافة العربية التي يمكن تناولها في إطار الدراسات الثقافية. ومن هذه الموضوعات ظاهرة التمهيش في الأدب العربي الوسيط والحديث التي تتجلى في جوانب متعددة كالإبداع النسائي والأنواع الأدبية التي تشكل ما يسمى الأدب الهامشي أو الأدب الموازي. وتشمل أيضًا ظاهرة تحويل النصوص الأدبية إلى نصوص مرئية في وسائل الاتصال الحديثة كالسينما والتليفزيون، وظاهرة تحولات الموقف من الإبداع الشعبي والأنواع الأدبية الشعبية في الثقافة العربية الحديثة وأثر هذه التحولات في تغيير مفهوم الأدب ومهامه، ثم ظاهرة المفاهيم الثقافية التي شغلت الثقافة العربية الحديثة كالنهضة والإحياء والتمدن والتحديث والتجديد. وقدم الدكتور سامى سليمان الجانب الأخير من محاضرته عن طريق التساؤل عن إمكانية أن تتأصل الدراسات الثقافية في المجتمع العربي المعاصر، وانتهى في إجابته إلى التشكك في إمكانية حدوث هذا التأصل لغياب كثير من المقومات العلمية والثقافية كتفعيل التداخل بين الاختصاصات في الدراسات الأكاديمية وضعف تكوين طلاب المرحلة الجامعية الأولى وافتقاد مؤسسات التعليم الجامعي إلى أجواء حرية البحث العلمي. وقدمت الدكتورة سامية سلام ورقتها بعنوان المثقف والسلطة، بين التكيف والتمرد موضحًا أنه لا يوجد تعريف ولا توصيف محدد للمثقف لكن هناك اتفاق بأن المثقف هو من يسعي لتفسير وتغيير الواقع، ويمتلك رؤية ونزعة نقدية. ولا يوجد لمفهوم السُّلطة أيضا دِلالة واحدة فلخصوبته وارتباطه بِنَواحي عديدة تنوَّعت مَعَانيه. وتتفاعل جميع السلطات مع سلطة المثقف، وتتميّز السُّلطة السِّياسية في تفاعلها معه عن كافة أنواع السُّلطات، حتى تبدو ممارساتها متوازنة. وليس للمثقف علاقة بالسلطة السياسية فقط، فهناك أيضا السُّلطة الدِّينية وهي من أهم السُّلطات، وبصفة خاصة في الدَّول التي يلعب الدِّين فيها دورًا حيويًا. أما الصراع بين السلطة والمثقف هو في حقيقة الأمر صراع على الحرية ولقد ناهض المُصلحون والفلاسفة لقرون عديدة ضِد السُّلطة، والمشكلة تَكْمُن في كيفية الجمع بين الحرية والتميز الفردي من جهة وبين قدر من التَّماسك الاجتماعي، والمحافظة على النِّظام من جهة أخرى. و تقع على المثقف مسئولية كبيرة في توعية المجتمع في جميع الحضارات والمجتمعات، لبناء مؤسساته المدنية القائمة على فلسفة المجتمع وأخلاقه. وأشارت سامية سلامة من خلال ورقتها البحثية إلى أن المثقف يصاب في فترات من التاريخ بجروح عميقة وعزلة إجبارية، أو يعيش كتابع للحاكميات السياسية والفقهية، ويعاني حالة من الاغتراب عندما يتقلص دوره، فليجأ إلى الصمت أو التكيف مع الوضع القائم. وأنه عندما يتأثر المثقف تتأثر بالطبع المؤسسات الثقافية والمجتمع المدني. حضر الندوة الأستاذ الدكتور عادل ضرغام والدكتورة مروة مختار والدكتورة عزيزة بدر وأريج زهران ومحمد عبدالباسط عيد.