يُمكن للمتأمل في شئون مصر المحروسة والمتعمق في أحوالها، أن يرى بعيون مدققة كيانات ومؤسسات تنشأ وتتضخم بداخل مؤسسات أخرى وتتحول إلى دول موازية تتغذى في الأساس على الخروج عن القانون وخرقه، وتتفنن في ابتكار قوانين ومبادئ خاصة بها لا تخضع بأى حال من الأحوال لسيطرة السلطة المصرية ونظامها، وتعتمد هذه الكيانات الموازية غير الشرعية على التحايل والتلاعب بالقوانين لتستمر وتتطور وتعيش بسكانها في منأى عن أعين الرقابة وبعيدًا عن القواعد المفروضة من الدولة المصرية كالسرطان الذي ينخر في عظام مجتمعنا ويهدد استقراره ومستقبله. « أمناء الشرطة» "اللى مالوش خير في حاتم مالوش خير في مصر"، جملة شهيرة من فيلم "هي فوضى" للمخرج الراحل يوسف شاهين تجسد بصورة حية مفهوم دولة أمناء الشرطة التي تمددت وازداد نفوذها حتى خرجت عن السيطرة، ودخلت في تحديات ضد وزارة الداخلية، وتسببت في أزمة أزلية بين الشعب المصرى والوزارة بما أثر سلبًا على حجم الثقة فيما بينهم، وكانت هذه الدولة التي ازداد طغيانها في نهاية عهد مبارك أحد أبرز الرموز التي ثار الشعب المصرى ضد سلطتهم وتسلطهم أثناء احداث ثورة 25 يناير، ولقد امتدت جذور نفوذ تلك الدولة منذ عقود وتصاعدت مع مرور الوقت مكانة أمناء الشرطة وسيطرتهم على كافة الأمور داخل الأقسام، وكونوا بالسلطة المخولة إليهم دولة موازية للدولة، يفرضون قوانينهم الخاصة فيها ويضربون بقوانين الدولة المصرية عرض الحائط، وقد قام بعض أفراد وأمناء الشرطة والخفراء بممارسات مسيئة ضد المواطنين وهو ما كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر نظام مبارك وأسقطت وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى بالقاضية في ثورة يناير. ولكن تحدى أمناء الشرطة للسلطة والشعب على حد سواء لم يتوقف عند هذه الثورة الشعبية التي قامت في الأساس ضد أفعالهم بل تعددت حوادث تعديهم على المواطنين خلال السنوات التالية ل 25 يناير ولم تتوقف، ولعل حادث سحل 5 من أمناء الشرطة لشاب أمام قسم امبابة أثناء تنفيذ حكم رؤية لطفليه منذ فترة قصيرة دليل على ذلك وغيرها من حوادث الاعتداء على المواطنين التي لا يلقى فيها المتهمون عقابًا مما جعل شعار "مفيش حاتم بيتحاكم" ينتشر كالنار في الهشيم بين جموع الشعب المصرى كنوع من أنواع الاحتجاج الساخر على نفوذ أمناء الشرطة الذي يحمى المُخطئين منهم من العقاب وتلقى الجزاء المناسب جراء الخروج عن القانون، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استغل أمناء الشرطة حالة الحراك الثورى والمظاهرات الفئوية بعد يناير وطالبوا بإعادة المستبعدين والمفصولين منهم، وطالبوا الداخلية بضرورة تسوية وتقنين أوضاعهم وترقيتهم إلى ضباط مع إلغاء المحاكمات العسكرية، وبالفعل تم الرضوخ لمطالبهم والاستجابة لها في ظل تقلد اللواء منصور العيسوى منصب وزير الداخلية آنذاك، واستمرارًا للحفاظ على حقوقهم تلك قاموا بتكوين ائتلاف باسمهم يُعبر عنهم، وأصبح لا يوجد "كبير لهم" ولا يخشون وزير الداخلية أو مساعديه أو زملائهم، فتحولوا إلى دولة داخل الدولة، يخشاهم الجميع، ومنذ شهور ظهروا من جديد على الساحة خلال أزمة اعتصام العشرات من الأفراد والأمناء بمديرية أمن الشرقية بالزقازيق للمطالبة بتحسين أوضاعهم الوظيفية حيث أظهروا وجه التحدى للدولة ومسئوليها وقاموا بكسر هيبة الدولة عن طريق خرق قانون التظاهر ومكافحة الإرهاب، وإعلانهم الإضراب عن العمل بالمقرات الشرطية مطالبين بصرف بدل مخاطر والحافز الأمني وصرف المعاش عن آخر راتب تم صرفه. ولم يعلقوا هذا الإضراب إلا بعد منح الوزارة مهلة للرد على مطالبهم مع التلويح بورقة تهديد بانتشار هذه التظاهرات في مختلف انحاء الجمهورية، وفى الحقيقة لم يكن هذا الاعتصام الذي أُطلق عليه " ثورة أمناء الشرطة" هو أول صور احتجاجاتهم، فقد سبقه خمسة احتجاجات أخرى للمطالبة بتحسين أوضاعهم، ويُمثل هذا الارتباك وزيادة سلطة ونفوذ إمبراطورية أمناء وأفراد الشرطة والخفراء في القرى والنجوع وممارساتهم التي تخترق القانون ضد المواطنين في كثير من الأحيان نذيرًا لوضع سيئ لابد من مواجهته. ولكن لا شك أن وزير الداخلية الحالى اللواء مجدى عبد الغفار يقوم بدور كبير لإعادة السيطرة على هذه الفئة التي لا يجب تعميم الاتهامات عليها ولكن كما أن هناك عناصر فاسدة فإن هناك من يؤدون دورهم على أكمل وجه. « المحضرين» مرحبًا بكم في قلم المحضرين الذي يعيث في حرم القضاء المقدس فسادًا ويتسبب في تعطيل إجراءات التقاضى لفساد بعض أفراده بما استدعى تحويل اسمهم إلى قلم المرتشين، أهلًا بكم في دولة يعيش أفرادها في كل نيابة أو محكمة وتكمن مسئوليتهم في توصيل الإعلانات القضائية لأطرافها ويختصون بتنفيذ الأحكام القضائية ابتداءً من إعلانها حتى اتخاذ الخطوات الجادة لتنفيذها، فالمُدعى عليه والمتهم لا يكون ملزمًا بالدفاع عن نفسه إلا في لحظة إعلانه، كما أنه لا يفقد الحق في درجة كاملة من درجات التقاضى إلا إذا ثبت إعلانه لشخصه ولم يحضر، فضلًا عن أن قانون المرافعات المصرى قد منح أهمية بالغة للإعلانات القضائية وبالمواعيد الواجب تنفيذ الإعلانات خلالها وكذلك بالإجراءات الواجب اتباعها من المحضرين عند قيامهم بالإعلان القانونى. وهو ما جعل مسئولية المُحضرين ذات أهمية قصوى في النظام القضائى المصرى ولكن هذه المسئولية تتحول في أيدى الفاسدين منهم إلى آفة تضر بالقضاء المصرى لما يمتلكونه من أدوات تسمح لهم بالتلاعب بالأحكام القضائية بسبب ضعف أحوالهم الاقتصادية من جهة ولفساد ضمائر بعضهم من جهة أخرى، فيتفنن بعض المُحضرين في استغلال ذوى المصالح لزيادة دخلهم وممارسة كل الحيل لاستخراج "ما قُسم" من جيوب البسطاء، وتتعدد أشكال التلاعب بالأحكام القضائية ما بين إغفال المحضر ذكر اسمه على الإنذار أو توقيعه عليها وإغفال تاريخ وساعة إجراء الإعلان، أو أن يقوم بالإعلان أو التنفيذ في غير الأوقات المقررة بدون إذن قاضى الأمور الوقتية، أو قد يقوم المُحضر بالإعلان في العطلات الرسمية بدون إذن كتابى من قاضى الأمور الوقتية، أو استغلال معلوماته عن الشخص المُرسل إليه الإعلان للتنفيذ في أوقات يكون فيها غائباَ، أو أن يقوم بالإعلان في يوم لاحق لليوم الذي أصدره طالب الإعلان بما يتسبب في سقوط حقه في الطعن وسقوط حقه الموضوعى بالتقادم. وتستمر الألاعيب بتسليم الإعلان إلى شخص ليس له صفة في تسليمه أو لا يذكر اسم المستلم إلى آخره من الحيل التي تتعدى حد التأثير على سرعة إجراءات التقاضى وتعطيل منظومة العدالة إلى إهدار حقوق الكثير من المصريين بالباطل وإلحاق الضرر بالأبرياء، بما أدى إلى تحول عالم "المُحضرين" إلى إمبراطورية لإهدار الحقوق ودولة موازية تُعطل منظومة القضاء المصري. ووجب إعادة النظر إليهم وتقييم دورهم والتفكير في إيجاب آليات بديلة. « الألتراس» بدأ كظاهرة محببة تبث حماسًا وبهجة في المدرجات وتنشر النشاط في كل لحظة طوال الفعاليات الرياضية، يثيرون الإعجاب بإبداعهم في "الدخلات" مع بداية المباريات وبأناشيدهم وهتافاتهم التي تدوى في أرجاء الملاعب، ولكن هذه الظاهرة حولت قبلتها فيما بعد عن الرياضة لتشترك في الشئون السياسية والأحداث المتعاقبة التي تمر بها البلاد، قد تختلف أعلام الأندية التي ينتمون إليها ولكن قوانينهم ومبادئهم واحدة، إنها دولة الألتراس التي تحدت بمبادئها وقواعدها قوانين الدولة، ولم يخضع أعضاؤها إلى السيطرة بل ازداد تحديهم للسلطة والأمن ووصل الأمر إلى حد تأليف أغان وهتافات مناهضة لقوات الشرطة تحمل في طياتها إهانات لأفرادها. ظهرت هذه الظاهرة في العالم لأول مرة في أمريكا الجنوبية وبالتحديد في البرازيل عام 1940 ثم انتقلت إلى أوربا وحديثًا في دول شمال أفريقيا وفى مقدمتهم مصر التي شهدت بزوغ ظاهرة الألتراس عام 2007، ووصل عدد المشتركين في صفحة "ألتراس أهلاوى " على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" إلى 1.155.368 حتى الآن، بينما وصل عدد أعضاء صفحة وايت نايتس على الموقع ذاته إلى 928.023 عضوًا، وتتميز هذه المجموعات باستخدام الألعاب النارية أو "الشماريخ" مع ترديد هتافات حماسية وأناشيد لدعم فريقهم، ويؤمن أعضاء الألتراس بمبادئ أساسية تتمثل في الاستمرار في التشجيع وعدم التوقف طوال المباراة مطلقًا فضلًا عن عدم الجلوس أثناء المباراة، وحضور العدد الأكبر من المباريات التي يخوضها الفريق دون النظر إلى التكاليف أو المسافة، ومنع الانضمام إلى أي مجموعة أخرى. وعادة ما يكون لهذه المجموعات ممثل يتولى الاتصال مع أصحاب الأندية فيما يخص تذاكر دخول المباريات وغرف تخزين اللافتات والأعلام والتنسيق معهم في الإعداد للعرض، وتعتمد هذه المجموعات على التمويل الذاتى من خلال الاشتراكات وبيع منتجات خاصة بهم، وبالرغم من الروح التي ينشرونها في المباريات الرياضية وبالتحديد مباريات كرة القدم كانت لهم مشاركات سياسية أثناء ثورة 25 يناير والأحداث السياسية التي شهدتها البلاد في السنوات التي تلتها، فقد هدأت الثورة ولم يهدأ الألتراس حيث اشترك هؤلاء الشباب في كثير من الأحداث التي تبعت ثورة يناير وازدادت الأوضاع سوءًا بعد مذبحة بورسعيد في فبراير عام 2012 والتي راح ضحيتها 72 من مشجعى ألتراس أهلاوى، وأعقبها حادث الدفاع الجوى مطلع 2015 والذي راح ضحيته 20 مشجعًا من ألتراس وايت نايتس الزملكاوى وبالرغم من انقلاب المجتمع والدولة على الألتراس إلا أن السيطرة على هذه المجموعات لم يحدث حتى الآن. توريث الوظائف الحكومية الوظائف الحكومية.. الأمل الذي يدغدغ أحلام الشباب المصرى حيث الأمان الدائم والاطمئنان على مستقبل مستقر بدون خوف من تداعيات التقصير أو الإهمال في العمل، فدوام قصير مع عمل قليل وراتب مضمون هي جُل أمنيات الكثير من المصريين من جيل إلى جيل، ولأن حلم الالتحاق بإحدى المؤسسات الحكومية بالطرق المشروعة أصبح من رابع المستحيلات ولا يصل إليه إلا من دعا بقلب خاشع في ليلة القدر، فقد حرصت الأجيال الراسخة منذ عقود في الوظائف الحكومية على ضم مناصبهم إلى "التركة" بحيث أصبحت وظائفهم جزءًا لا يتجزأ من وصيتهم ليتوارثها الأبناء من بعدهم. وتحولت المؤسسات الحكومية إلى دولة بداخل الدولة يشكل موظفوها مع أبنائهم أسرة واحدة كبيرة يعيشون معًا عبر الأجيال تحت مظلة المؤسسة، ولا يسمحون للغرباء بالاندساس بين جمعهم المصون خارقين بذلك القوانين التي تنص على أن التعيين في الوظائف الحكومية يقوم على أساس الكفاءة والجدارة دون محاباة أو وساطة، ولكن توريث الوظائف أصبح عرفًا وقانونًا في مجتمعنا المصري، دون النظر إلى النتائج السلبية لهذا العرف الذي تتحطم على صخرته أحلام آلاف الشباب الطموح، ولم تنجح ثورتان في القضاء عليه وما أكثر الحوادث التي نتجت عن هذه الآفة التي أصابت المجتمع في مقتل، ولعل أبرز هذه الحوادث انتحار عبد الحميد شتا الطالب المتفوق في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذي انتحر غرقًا في نهر النيل بعدما اختفى اسمه من كشف المقبولين بالسلك الدبلوماسى في مسابقة وزارة الخارجية بحجة أنه غير لائق اجتماعيًا وبالطبع حل أحد أبناء الدبلوماسيين بديلًا له واتخذ مكانه ظلمًا. أما البنوك المملوكة للدولة فتعانى بشكل مباشر أو غير مباشر من آثار هذه الآفة، بسبب تعيين عدد من الخريجون من أبناء العاملين بالبنوك ممن ليس لهم علاقة بالعمل المصرفى في مناصب ذات حساسية تحتاج إلى دراسة ومهارات خاصة مثل إدارة المخاطر والعمليات المالية والمصرفية بالبنوك، وهو ما يؤثر على طبيعة العمل بهذه المؤسسات المصرفية ويساهم في انتشار الفساد بين أرجائها فضلًا عن تكوين عائلات داخل المؤسسات المالية بما يؤثر على طبيعة العمل بها وحرمان الكثيرين من الشباب المتفوق ممن يستحقون هذه الوظائف وزيادة الشعور العام بالإحباط، وفى محاولات لمواجهة هذا الفساد المستشرى في أوصال المجتمع والسيطرة عليه أقرت الدولة قانون الخدمة المدنية الجديد الذي أثار موجة من الاحتجاجات بين العاملين بالدولة وأشاع الكثيرون شائعات حول هذا القانون خاصة المستفيدين من بقاء الأحوال على وضعها الحالى من انتشار المحسوبية والوساطة والفساد. «المرتشون» "الإكراميات" في القاموس المصرى هي الكلمة المُحسنة للرشوة، ولأن الكثير من المصريين يتعففون عن استخدام الكلمة الأصلية ويستبدلونها بهذا المصطلح ذي الدلالة الأبسط للإشارة إلى ما قد يحصلون عليه نظير "مصلحة" يقدمونها، وبالرغم من أن القانون المصرى يقر عقوبة ليست هينة على الراشى والمرتشى خاصة من العاملين في الوظائف العامة إلا إن الرشوة أصبحت هي السمة السائدة بين المصريين كافة لتسهيل "المصالح". ولم يسلم قطاع من القطاعات الحيوية في الدولة من هذا المرض الذي تفشى في أوصال الوطن كالسرطان، وأصبح أحد الحقائق الراسخة في الحياة اليومية لعدد كبير من المصريين، وللرشوة أشكال وألوان "وكله بثمنه" فوفقًا لحجم المصلحة أو الخدمة المراد قضاؤها أو تسهيلها يتحدد نوع الإكرامية، بدءًا من المال مرورًا بالوحدات السكنية والسيارات ووصولًا إلى الآثار ورحلات العمرة والحج، ومن أشهر الحوادث المرتبطة بالرشوة القضية المتهم فيها صلاح هلال، وزير الزراعة في حكومة المهندس إبراهيم محلب، والمعروفة برشوة وزارة الزراعة التي طلب فيها الوزير ومديره رشوة 16 رحلة حج ووجبة إفطار في شهر رمضان ب 14 ألف جنيه وملابس ب 230 ألفا وشقة ب 8 ملايين جنيه، أي أن إجمالى الرشوة يساوى 10 ملايين و885 ألف جنيه، وبالرغم من هذا إلا أن مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أكد أن ظاهرة الرشوة في مصر شهدت حالة من التحسن مقارنة بالعام الماضى حيث تقدمت مصر من المرتبة 101 إلى 65 عالميًا.وجاءت قضية الرشوة التي تورط فيها موظف كبير بالجهاز المركزى للمحاسبات «أكبر جهاز رقابى في مصر» لتؤكد أن الأمل لا يزال بعيدًا في انحسار هذه الظاهرة البغيضة. « أولاد الشوارع» أطفال بلا مأوى تحتضنهم الأرصفة وتجمعهم شوارع وميادين المحروسة ويتخذون من أسفل الكبارى سكنًا لهم ومن أجسادهم النحيلة غطاءً لهم في برد الشتاء، لا يخضعون لقوانين ولا يرضخون لمبادئ النظام المصري، ويعيشون في عالم آخر مواز ذي أسس وقواعد تختلف كثيرًا عن القوانين السائدة التي يجتمع عليها غيرهم من المصريين، فالمال قد يكون هو هدفهم الأسمى والوحيد في هذه الحياة وقد يفعلون كل ما في استطاعتهم للحصول على القليل منه لأنه وسيلتهم وطريقهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة في ظل غياب من يعولهم ويوفر لهم الحد الأدنى للحياة الآدمية، فلا يكون للقيم الأخلاقية وجود في مجتمعهم ولا للوعظ الدينى أي تأثير، ولا يشعرون بأى انتماء لهذا الوطن ولا يعرفون للمواطنة سبيلًا أو طريقًا، ولأنه مجتمع ذو قواعد لا علاقة لها بقوانين البلاد من قريب أو بعيد، فقد كانوا أداة في يد جماعة الإخوان الإرهابية خلال الأحداث المتعاقبة التي مرت بها البلاد حيث استخدم أعضاء الجماعة هؤلاء الأطفال لإحداث بلبلة وفوضى في أرجاء مصر مقابل القليل من المال، كما يتم استغلال هؤلاء الأطفال جنائيًا في كثير من الجرائم، فضلًا عن تكوينهم عصابات إجرامية للتسول والسرقة والنشل بما يهدد أمن واستقرار المواطنين، ويشير كل ما سبق إلى أن أطفال الشوارع ظاهرة خطرة على سلامة وأمان المجتمع ويمثلون قنبلة موقوتة تهدد أمن مصر، وهو ما يوجد ضرورة إيجاد سبل جديدة لرعايتهم والتعامل معهم بصورة صحيحة حتى لا يزداد خطرهم في ظل الزيادة المستمرة في أعدادهم وهذا ما أكدته إحصائيات الإدارة العامة للدفاع الاجتماعى التي تؤكد زيادة الجنح المتصلة بأطفال الشوارع وتشدد على دورهم في انتهاك القانون حيث ارتكب هؤلاء الأطفال عدد من الجرائم في مقدمتها السرقة التي وصلت نسبتها بينهم إلى 56% بينما وصلت نسبة التسول بين أطفال الشوارع إلى 13.9% والعنف 5.2% والجنوح بنسبة 2.9%، وكلما ازداد عددهم ازداد حجم خطورة الظاهرة. ووفقا للإحصائيات الرسمية وصل عددهم إلى نحو 16019 طفلًا في عدد 2558 منطقة على مستوى مصر وذلك وفقًا لأكبر مسح قومى لأطفال الشوارع والذي أعلنت وزارة التضامن الاجتماعى نتائجه في أوائل العام الجارى، ولكن اليونيسيف ذكرت في أحد تقاريرها أن عدد أطفال الشوارع في مصر يصل إلى 2 مليون طفل، و60% منهم يتسمون بالعدوانية وعدم الانتماء للمجتمع، وبالرغم من هذا الاختلاف الواضح بين أرقام الإحصائيات السابق ذكرها إلا أن الجميع يتفق على ضرورة التعامل مع هذه القنبلة الموقوتة بأساليب جديدة حتى لا يزداد خطرهم على الأمن القومى. وهذا ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا إلى توجيه لجنة لوضع مبادرة لاحتواء أطفال الشوارع حتى لا يبقوا دولة داخل الدولة.