التعليم لم يعد كالماء والهواء ولكن أغلى من المخدرات.أصبح في ظل عدد المدارس والجامعات والمعاهد الخاصة والاستثمارية وتراجع دور توسعات التعليم الحكومى. إنشاء الزعيم الوطنى محمد فريد المدارس الليلية كانت بداية تطبيق هذه الفكرة في مصر، ثم تطورت فيما بعد لتظهر المدارس الخاصة، التي خضعت في بداية الأمر، إلى رقابة حكومية كاملة، ولكنها بدأت تفك هذه القيود شيئًا فشيئًا إلى أن أصبحت كيانا مستقلا عن الحكومة، له مناهجه الخاصة في كل شيء، وانحصر دور معظمها في منح الشهادات العلمية دون علم حقيقى أو مردود إيجابى على المجتمع. وبتطور هذه المنظومة وهذا الكيان وتفرعه، تحولت منظومة التعليم في مصر إلى منظومة معقدة ومتشابكة، حتى إن أحد خبراء التعليم الفنلندى الذي زار القاهرة مؤخرا لتمثيل الاتحاد الأوربى في مشروع الشراكة مع مصر في مجال جودة التعليم، أكد أنه لم يصادف كل هذا التعقيد في تركيب المدارس من قبل، فضلًا عن تفاوت المستويات التعليمية في كل نوعية من نوعيات المدارس، بل بين مدرسة وأخرى في النوع الواحد. سبوبة المدارس هذا التشابك والتعقيد جعل التعليم في مصر يتحول ل"سبوبة"، وتحول التعليم من هذا المنطلق إلى مشروع تجارى في الأساس، ففيما يتعلق بسيطرة الملاك على العملية التعليمية، يلجأ بعض أصحاب المدارس الخاصة إلى التعاقد مع عدد من المدرسين غير المؤهلين تربويًا، وعديمى الخبرة للتدريس للطلاب بمقابل مادى زهيد للغاية لا يتجاوز في بعض الأحيان 300 جنيه شهريا، مقابل أن تترك إدارة المدرسة للمعلمين العاملين بها اليد في استغلال الطلاب لإعطاء دروس خصوصية. وهنا ننتقل لكيان موازٍ للكيان الموازي؛ حيث إن مراكز الدروس الخصوصية تحولت لكيانات موازية للمدارس الخاصة، التي هي بالأساس كيان مواز للتعليم الحكومي. ووفقًا للدراسات التي أعدها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في هذا الشأن، تبلغ نسبة الطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية 66% من إجمالى الطلاب المصريين، أي ما يعادل ثلثى الطلاب. وأشارت هذه الدراسات إلى أن 39 % من هذه النسبة ينفقون نصف دخل الأسرة، بينما 22.6% ينفقون ثلث الدخل، و18.1% ينفقون ربع الدخل، بمبالغ تتجاوز ال17 مليار جنيه سنويا، موضحة أن الإقبال على الدروس الخصوصية لم يعد مقتصرا فقط على الطالب ذى الإمكانيات المحدودة، لكن المجتمع يلجأ لهذه الدروس باعتبارها محاولة لضمان مستوى أفضل من الشرح والحصول على مجموع أفضل؛ للالتحاق بكليات القمة. وأكدت هذه الدراسات، أن الدروس الخصوصية تمثل رقمًا كبيرًا في ميزانية الأسر المصرية يتراوح بين 40 و200 مليار جنيه سنويًا. وعلى الرغم من الحملات والقرارات التي تتخذها الحكومات المصرية المتعاقبة؛ للقضاء على أزمة انتشار الدروس الخصوصية، إلا أن المجتمع المصرى بأسره يرى هذه الحملات على أنها "زوبعة في فنجان"، ليس لها أي قيمة؛ بسبب عدم معالجتها لجذور المشكلة من الأساس. كانت وزارة التربية والتعليم، رصدت في آخر إحصائية لها في عام 2015، ما يقرب من 1628 مركزًا للدروس الخصوصية، من بينهما 452 مركزًا في محافظة القاهرة لتحتل المركز الأول بين المحافظات المختلفة من حيث عدد المراكز الموجودة بها، في حين رصدت 227 مركزًا في محافظة بنى سويف، و111 في المنيا و193 في كفر الشيخ، و126 في القليوبية، وخصصت الوزارة خطًا ساخنًا لتلقى بلاغات المواطنين ضد هذه المراكز. الجامعات أزمة سيطرة التعليم الخاص على منظومة التعليم المصري، لم تقف عند حد التعليم ما قبل الجامعي، بل تشعبت بشكل أكبر في المرحلة الجامعية، بلغ عدد الجامعات في مصر 26 جامعة حكومية و4 جامعات أهلية و20 جامعة خاصة و11 أكاديمية، بإجمالى 61 جامعة وأكاديمية تعمل داخل مصر، وجامعتين خارج البلاد، و6 فروع لجامعات مصرية خارج البلاد، وهو ما يعنى أن عدد الجامعات الحكومية يتساوى تقريبا مع الجامعات الخاصة والأهلية. ففى الوقت الذي سجلت فيه جامعة القاهرة، المركز ال401 بين الجامعات في تصنيف شنجهاى الذي يحوى 500 جامعة على مستوى العالم، ما يعنى أن التعليم الجامعى الحكومى أصبح متدنيا عالميًا، حقق طلاب الجامعة الألمانية إنجازات جيدة على الصعيد الطلابى في المسابقات الدولية، مثل الحصول على المركز الأول على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط في ACMICP، وكذلك المركز الثانى في مؤتمر طلاب الصيدلة لإقليم شرق المتوسط، بالإضافة إلى المركز الأول في مسابقة روبوكوب العالمية لعام 2010 في سنغافورة، والمركز الثانى في روبوكوب لعام 2009 في النمسا. المركز قبل الأخير المؤشر المتدنى في التعليم المصرى بشكل عام، ظهر خلال مؤشر جودة التعليم العالمى الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى في دافوس لعام 2015 - 2016، الذي أكد تذيل مصر القائمة؛ حيث احتلت المرتبة 139 من بين 140. وإذا أردنا أن نتحدث عن حال التعليم المصرى بشكل عام والحكومى بشكل خاص، وسيطرة التعليم الخاص على الوضع، فالأرقام والإحصاءات هي الأصدق دائمًا، ووفقًا للتقرير الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء في نوفمبر 2015، فإن جامعة الأزهر احتلت المرتبة الأولى في عدد الطلاب بالجامعات الحكومية والأزهر ليبلغ عددهم 297 ألف طالب بنسبة 17.6٪، يليها جامعة القاهرة بعدد 235 ألف طالب بنسبة 13.9٪ من إجمالى أعداد طلاب الجامعات الحكومية خلال العام الدراسى 2014/2013. وأشار هذا التقرير، إلى ارتفاع إجمالى الطلاب المقيدين في الجامعات والمعاهد العليا الخاصة والأكاديميات خلال العام الدراسى 2014/2013 ليبلغ 2.22 مليون طالب مقابل 2.14 مليون طالب خلال العام الدراسى 2013/2012 بنسبة زيادة 3.7٪. في حين بلغت نسبة إجمالى الطلاب المقيدين بالجامعات الحكومية والأزهر 76.1٪، الجامعات الخاصة 5.0٪، المعاهد العليا الخاصة 16٪، الأكاديميات 1.1٪، والمعاهد التي تمنح مؤهل الدبلوم فوق المتوسط والبكالوريوس (للطالب الذي يحصل على تقدير جيد على الأقل بعد السنة الثانية) 1.8٪ خلال العام الدراسى 2014/2013. وفيما يتعلق بالتعليم ما قبل الجامعي، أشار الإحصاء إلى ارتفاع الطلاب المقيدين بالتعليم الثانوى ليصل إلى 1.81 مليون طالب خلال عام 2014/2013 مقابل 1.73 مليون طالب خلال العام الدراسى 2013/2012 بزيادة 4.7٪. وذكر الإحصاء، أن إجمالى الطلاب المقيدين بالمدارس الحكومية بشكل عام، بلغت نسبتهم 87.9٪، المدارس الخاصة 12.1٪ خلال العام الدراسى 2014/2013، مقابل 88.5٪ بالمدارس الحكومية، 11.5٪ بالمدارس الخاصة خلال العام الدراسى 2013/2012. وبلغ عدد مدارس ما قبل الابتدائى (10227)، ومدارس التعليم الابتدائى (17619) ومدارس التعليم الإعدادى (17619)، بينما بلغت جملة مدارس الثانوى العام (2994)، وجملة مدارس التعليم الفنى (1984)، وارتفع عدد مدارس التربية الخاصة إلى (903). ويبقى السؤال: متى يتم تصويب مسار التعليم الحكومى أم أن الأسوأ لم يأت بعد؟