البحث عن معرفة من هو فرعون موسى شغل الكثير من العلماء المتخصصين في حضارات مصر والشرق الأدنى القديم، والهواة غير المتخصصين فضلا عن رجال الدين، إلا أن تلك القضية طفت على السطح مؤخرا من جديد عقب ظهور فيلم موسى، الذي بلا شك وبغض النظر عن مناقشته تاريخيا وما به من مغالطات، هدفه الدعاية غير المعتمدة على وثائق للفكرة الصهيونية اليهودية بتسخير بنى إسرائيل واضطهادهم على يد فرعون مصر، الذي يراه الفيلم رمسيس الثاني. رمسيس الثانى رمسيس الثاني، أو «رعمسيس»، الاسم الذي يراه علماء الآثار الأصح، هو ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشر، حكم مصر لمدة 66 سنة من 1279 ق.م، حتى 1212 ق.م، (أو 1290 ق.م. - 1224 ق.م)، صعد إلى سدة الحكم وهو في أوائل العشرينيات من العمر، ظُن من قبل أنه عاش حتى أصبح عمره 99 عامًا، إلا أنه على الأغلب توفى في أوائل تسعينياته، ولد قبل ميلاد المسيح ب1303 سنين، وتولى حُكم مصر عام 1279 قبل الميلاد، وهو في الخامسة والعشرين من عُمره تقريبًا. عندما تولى «رعمسيس»، سدة الحُكم، كان مرّ على تأسيس الدولة المصرية 2000 عام تقريبًا، كما دام حُكمه 67 سنة، وهو ابن سيتى الأول والملكة تويا، وأشهر زوجاته كانت نفرتاري، بلغ عدد أبنائه نحو 90 ابنة وابنا، من بينهم مرنپتاح الذي خلفه. تلتف حول الملك رمسيس الثانى روايات عدة، أبرزها ما أشير إلى أنه الفرعون الذي حارب سيدنا موسى عليه السلام، تبنى «يوسيبيوس القيصاري» (275 - 339م)، كما تبنى تلك النظرية «أولبرايت، إيسفلت، روكسي، أونجر، الأب ديفو، فضلًا عن موريس بوكاي»، وهو أحد الأطباء الذين درسوا المومياء، واكتشف أن المومياء كان بها أثر ملحي، الأمر الذي يؤكد غرقه، وانتشاله من البحر سريعًا، الأمر الذي أدى إلى إعلان إيمانه عقب هذا الاكتشاف. وتبرهن الآراء التي ترى أن «رعمسيس الثاني»، هو فرعون موسى، بعدة نقاط، منها ادعاء رمسيس الثانى الألوهية، ومساواته للإله آمون «إله المصريين القدماء في ذلك الوقت»، وانتشرت ألوهيته بين العديد بداية من فئة الحرس والجنود وعلى رأسه وزيرهم هامان، رابطين ذلك بقول الله تعالى عن فرعون «إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين»، الأمر الذي يؤكده أيضًا «جيمس هنرى برستد»، أشهر علماء الآثار والمصريات. وأضاف «هنري» أنه بمرور عام صار المصريون يعتقدون أن جميع معابدهم عبارة عن أماكن شيدت لعبادة الفرعون رمسيس الثاني، فضلًا عن ذلك دللوا على رأيهم بما جاء في بعض الوثائق التاريخية بأن رمسيس الثانى تمت تسميته بتلك الألقاب (الإله الطيب (الله) - سيد الأرضين – سيد السماء – عماد السماء وقوام الأرض - حياة العالم كله – سيد الأبدية - خالق الكثرة - بارئ البشر - صاحب الغلال الوفيرة من تحت قدميه - إله الحصاد ومن كلامه طعام - السيد السامى اليقظ عندما ينام الناس) وغيرها من الألقاب الإلهية. وأشارت تلك الرؤى إلى «التفاسير»، بأن بنى إسرائيل كذبوا نبأ موت فرعون وقالوا إنه لا يموت، ولم يصدقوا ذلك إلا عندما طفا على ساحل البحر حتى رآه بنو إسرائيل أحمر قصيرًا كأنه ثور وإخنيس «ذو أنف مرتفع ومتأخر عن الوجه قليلًا»، رابطين ذلك بوصف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرعون بأنه كان قصيرا وأصلع ومرتفع الأنف قليلًا، ولديه كسور في أسنانه أو لديه سن منكسر، فضلًا عن رواية لأبى بكر رضى الله عنه تصف فرعون بأنه كان "أثرم"، الأمر الذي أكدته الفحوصات الطبية التي أجريت للمومياء في فرنسا في أواخر السبعينيات، وذكر فيها الدكتور «سميث» أن هناك كسورا بأسنانه وخراريج بها، خاصة في أسنان مقدمة الفم، ومن هنا تمت المطابقة بين الشخصيتين. يوم الزينة واستمرارًا لتأكيد أصحاب الرأى أن فرعون موسى هو رمسيس الثاني، أشاروا إلى أن يوم «الزينة» كان يوم السبت 9 يوليو 1266 ق.م الموافق 10 محرم 1945 ق. ه، قائلين إنه لم تتوافق أيام 1 توت مع 10 محرم مع يوم السبت في يوم واحد إلا في يوم 9 يوليو 1266 ق.م، وعام 1266 ق.م يقع بالتأكيد في فترة حكم رمسيس الثانى في كل الاحتمالات؛ حيث شهدت فترة حكمه ال67 سنة اختلافات بين المؤرخين (1302:1235) و(1292: 1225) و(1279: 1212) ق.م، وهذا الدليل لا ينطبق على أي فرعون أو أي ملك في العالم إلا على رمسيس الثانى وحده - حسب قولهم. غزوات رمسيس الثاني أما من خلال النظر في غزوات «رمسيس» وحروبه وإنجازاته المعمارية، فقد قال المؤرخون إن رمسيس الثانى شيد العديد من الأعمال المعمارية والفتوحات والحملات حتى سنة ستة وعشرين من حكمه، ولكن فيما بعد ذلك فلا شيء يذكر، ومن هنا جاء الربط بأن تلك الفترة انشغل رمسيس الثانى بعد يوم الزينة في السنة 27 من حكمه، وما أصابه من ضربات خلال الأربعين سنة الباقية من حكمه التي توالت واحدة تلو الأخرى، فانشغلوا بما أصابهم الله من رجز ثم رحمة ثم رجز. واسترشدوا في ذلك بقول الله تعالى {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ"} الأعراف 130: 133. «مرنبتاح» ومن جهة أخرى نجد تعارضا مع الرأى الذي يفترض أن فرعون موسى هو رمسيس الثاني، فهناك من يراه الملك «مرنبتاح» خليفة رمسيس الثاني، فيما أن الملك مرنبتاح نفسه قدم صك براءته من هذه النظرية. وكان تاريخ خروج موسى قبله بمئات السنين، وذلك بما نقشه على لوحته الشهيرة بما يعرف ب«أنشودة النصر»، التي تباهى فيها بانتصاراته على كل ما يحيط به من ممالك. رجال الهكسوس واستمرارًا للرؤى التي أحاطت ب«فرعون موسى»، ترى آراء أخرى أن رمسيس الثاني، ما هو إلا أحد رجال الهكسوس، ويستدل أصحاب ذلك الرأى بأن حادثة غرق فرعون وجيشه لم تدون على الجدران المصرية وهذا حدث جلل من المفترض أن يهز الأمة المصرية، فضلًا عن عدم تواجد اسم فرعون في أي خرطوشة ملكية، مضيفين أن أسماء هامان وقارون ليست بالأسماء المصرية القديمة، بينما هناك من قال إن «أحمس الأول» 1550 ق.م هو فرعون موسى، ثم إن هناك من يفترض كذلك أن «توت عنخ آمون» هو موسى. التشكيك بحقيقة جبل الطور من ناحية أخرى ترى العديد من الرؤى، أنه لا يوجد دليل على كون جبل سيناء المعروف بأنه الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وأنه جبل الخروج،، وأجرى الباحث الأثرى «رون وايت»، دراسة حول قصة هروب بنى إسرائيل المعروفة من جنود فرعون، وقصة عبورهم البحر، وخرج بنتيجة أثارت جدلًا واسعًا، وهى أن مكان العبور يقع فيما يعرف حاليا بشاطئ «نويبع»، الأمر الذي أيده كثيرون وعارضه البعض الآخر، وكان لكل منهم أدلته. وأكد الباحث الأثري، أن موسى عليه السلام عبر خلال وادى الطير، الذي ينتهى بشاطئ نويبع والواقع عنده حادث العبور، مشيرًا إلى أنه تمكن من الغوص بالمكان المشار إليه ووجد آثارا عظمية لحيوانات وأخرى آدمية، فضلًا عن إحدى العجلات التي كان يستخدمها الفراعنة في ذلك الوقت. النقوش الأثرية وقال عبد الحليم نور الدين، رئيس اتحاد الأثريين العرب ومقرر لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة: "لا يوجد أي دليل مادى على النقوش الكتابية المصرية القديمة تشير إلى أحد الأنبياء، أو فرعون موسى"، مؤكدًا أن الوجود اليهودى في مصر ظهر بعد عصر بناة الأهرام ب1000 سنة،، موضحًا أن كل ما زعم بافتراضية كون فرعون الخروج هو رمسيس الثاني، كلام عار من الصحة. أما عما ذكر بكون الملك «مرنبتاح» هو فرعون الخروج، قال «نور الدين» إنه لا أحد يعلم من هو فرعون موسى، مشيرًا إلى لوحة «إسرائيل»، أو لوحة «النصر»، التي جاء بها انتصارات الملك «مرنبتاح»، وأكد أنها تعد الأثر المادى الوحيد الذي جاء إلينا ويشير إلى كلمة إسرائيل، فضلًا عن إشارتها إلى إحدى القبائل الإسرائيلية بفلسطين. وأوضح أن تلك اللوحة عرفت بهذا الاسم؛ نظرا لما تصوره البعض من ورود اسم (إسرائيل) على اللوحة، متابعًا: أن ذكرها لا يعنى أن الملك «مرنبتاح» الذي حكم مصر نحو 1224 ق.م، حتى 1212 ق.م هو فرعون الخروج. علماء الآثار وقال مجدى عبد الجواد، رئيس قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة أسيوط، إن الآراء تعددت في ذلك الصدد، فهناك من يقول إن فرعون الخروج هو رمسيس الثاني، وهناك آراء أخرى تشير إلى أن مرنبتاح هو الفرعون، مضيفًا أنه تبنت آراء جديدة أخرى أن فرعون هو الإله أوزوريس، وأكد أن هذا الصدد به اختلاف كبير ولم يتم الاهتداء فيه حتى الآن من هو فرعون موسى. وأشار إلى أنه حينما تم البحث على مومياء رمسيس الثاني، لم يتم اكتشاف الآثار الملحية الكافية التي تهدى العلماء بالتيقن إلى كون رمسيس الثانى هو فرعون الخروج. وأضاف «عبد الجواد» أن بعض كتب التاريخ المصرى الأجنبية، التي يهتدى إليها الكثير ما هي إلا كتب ألفها علماء يهود، أمثال «بتري»، الأمر الذي يشير إلى تعمد هؤلاء العلماء تغيير الحقائق التاريخية لترسيخ زعمهم أن اليهود هم بناة الأهرامات، عن الآراء التي تشير إلى أن فرعون الخروج هو أحد رجال الهكسوس، قال إن هناك العديد من النقوش الأثرية التي تشير إلى علماء الهكسوس ولكنها لم تشر إلى هذا الرأي. وعن الآراء التي تشير إلى أن فرعون موسى هو «توت عنخ آمون»، يرد رئيس قسم الآثار بكلية الآداب بجامعة أسيوط، قائلًا: "إن الملك توت عنخ آمون، أصغر ملوك مصر تولى سدة الحكم من 1334 إلى 1325 ق.م، فضلًا عن كونه توفى وهو في السابعة عشر من عمره، وهناك أدلة على سبب الوفاة إثر ضربة على الرأس، التي توضحها الكسور الواضحة في جمجمة الرأس، الأمر الذي ينفى صحة ذلك الزعم". وعما أثير حيال عدم صحة أن جبل الطور بسيناء، أكد «عبد الجواد» أن العديد من العلماء الأجانب يثيرون الشكوك حيال الأماكن المصرية ذات القدسية؛ للتقليل من شأنها ولتزييف التاريخ، مشيرًا إلى أن وصف التضاريس الذي جاء في التفاسير الإسرائيلية عن الجبل الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام، ينطبق على جبل سيناء، وهناك العديد من الأدلة التي يسترشد إليها العلماء ومنها شجرة الزيتون التي ذكرت في القرآن الكريم، مسترشدًا بقول الله تعالى {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.