لعل أهم مسبب لظهور تلك الفئة الخارجة على نظام القيم فى المجتمع، هو واقع البيئة العمرانية الفاسدة للمناطق العشوائية، حيث تسود ثقافة الزحام، وتعلو لغة القوة، ويستعر التنافس على أساسيات الحياة، فالفراغ العمرانى العشوائى محدود وضاغط، ولعله بضغطه المتصاعد أفرز صديد الجرح ثم زاده عمقاً، وشكل وضعاً متأزماً أطلق مفهوماً جمعياً يتصف بالعدوانية وعدم المواءمة المجتمعية، نتيجة الإحساس بالظلم عند من لا يملك تجاه من يملك، فتحقيق العدالة الاجتماعية شرط أصيل لإعادة التوازن النفسى لتلك النفوس العليلة، كما أن مواجهة الفكر الجمعى المعادى للمجتمع المدنى لديهم يتطلب تضافر جميع الجهود لتعديله وإصلاحه، فإعادة التأهيل لا يكون بما يعرف بالتطوير المعمارى للعشوائيات فقط، بل بالتعامل مع الفكر النفسى الجمعى فيها بتشتيته وتغريبه ابتداءً، فلا يليق أن تمجد شخصية الحوارتجى من خلال أعمال درامية يقوم بها نجوم لهم تأثير وحضور، كما رأينا فى أعمال عادل إمام فى ترسيخه الدائم لشخصية الشاب العاطل الناقم على مجتمعه والمنتمى لفئة الحوارتجية، مما أعطى الزخم والثقة لتلك الفئة فى مسلكهم وعدوانهم وخلق نوعاً من التبرير والاستقواء لسلوكهم المجتمعى المنحرف. ومن الأهمية أيضاً ضرب مناطق النفوذ والتماس الخدمى التى يفرضون فيها مفاهيمهم وعدوانهم، مثل إمبراطورية الميكروباص وغيرها، وذلك بتطوير جدى لمواصلات حكومية حضارية يمكن أن تحاصر مأساة الواقع المخزى للميكروباص وجميع الخدمات الأخرى، كما يكون مفيداً فى ذات الوقت تشجيع أفراد الطبقة الوسطى للدخول فى تلك الأنشطة التى تخدم ذات الطبقة المجتمعية، مع تطوير قدرات أفرادها المادية والحضارية وتشجيع العمل اليدوى فيها، مع فرض سطوة الدولة من خلال ضبط الشارع الأمنى، ومد رقابة الشرطة لتشمل المراقبة السلوكية الحضارية بين المواطنين. ولابد من إعلاء قيم الحق فى المجتمع، وربط الجرم بالعقاب الفورى، وضرب منظومة الفساد فى المجتمع التى نمت عليها تلك الفئة، وإعادة التوزيع العادل للثروة فى المجتمع بما يضمن دعما لإعادة تأثير الطبقة الوسطى فيه بعد أن تم إفقارها وتحييدها. ومن الأهمية دمج تلك الفئة فى مشروعات قومية كبرى كتعمير الصحراء، بعمل حوافز جاذبة وحقيقية لتشجيعهم على إعادة التوطن بعيداً عن العشوائيات والارتباط بمفاهيم المكان الجديد والانصياع لنظام العمل الراتب.