عندما يفقد الإنسان السيطرة على عقله ويتحكم فيه الجشع والطمع وحب المال.. يموت فيه الضمير ويسعى إلى تحقيق الثراء السريع بطرق غير مشروعة حتى ولو كان على حساب صحة الفقراء المعدمين أو فى شهر رمضان الكريم.. والواقعة التى تحملها السطور التالية خير دليل على ذلك.. فيها ذبح أربعة أشخاص بينهم مؤذن مسجد عددا كبيرا من الخيول الهذيلة والمريضة والتى أوشكت على الموت، وباعوا لحومها الفاسدة للمسئولين عن عدد كبير من موائد الرحمن على أنها لحوم خرفان وجمال، وبدورهم قدموها للفقراء الذين يفطرون على تلك الموائد.. ولم يكتفوا بذلك بل وزعوا كميات كبيرة منها على محلات الحواوشى وتصدقوا بجزء منها لاختبار تأثيرها على صحة الناس!! محقق «فيتو» انتقل إلى منطقة «عزبة الخلايفة» التابعة لمركز أوسيم بالجيزة وكشف عن مفاجآت وتفاصيل مذهلة من خلال شهود العيان الذين تناولوا لحوم الخيول أو شاركوا فى كشف الجريمة. شاهد العيان محمد مهران (جزار).. أكد للمحقق أنه كان يرتاب فى مؤذن المسجد احمد أبوشوشة منذ فترة طويلة، لأنه حاول أكثر من مرة إقناعه بان لحوم الخيول حلال وسنة عن النبى صلى الله عليه وسلم.. وأوضح: «منذ أيام شاهدت العربجى على حسن يقتاد حصانا هزيلا وتبدو عليه علامات المرض ويدخله إلى منزل تحت الإنشاء مملوك لشقيقه «رضا»، وبعدها بوقت قصير دخل الجزار جاب الله عبد العزيز إلى المنزل.. بعد نحو ساعة خرج العربجى حاملا أكياسا بلاستيكية سوداء بها لحوم، وعندما سألته عنها ارتبك قبل أن يجيب بأنها لحوم خروف ذبحه مؤذن المسجد للتصدق بها على الفقراء فى شهر رمضان».. قاطعه المحقق متسائلا: «ماذا عن اكتشاف يوم الواقعة؟».. أجاب: «الصدفة وحدها كانت وراء الكشف عن معدومى الضمير هؤلاء.. فقد طمع أحد أقارب العربجى فى قطعة لحم وسرقها وتوجه بها إلى محل كباب وكفتة لشويها ظنا منه أنها لحم خروف، وهناك لاحظ الكبابجى خروج دم كثير منها فأكد أنها لحوم خيول أو حمير ورفض شيَها.. عاد الشاب غاضبا إلى قريبه وتشاجر معه مشاجرة عنيفة فى الشارع اتهمه خلالها أمام الجميع بذبح الخيول وبيع لحومها للغلابة وأصحاب موائد الرحمن وقص ما حدث معه فى المطعم.. تأكدت كل شكوكى ولكنى أيضا لا أمتلك دليلا قاطعا». التقط طرف الحديث شاهد عيان آخر من اهالى المنطقة يدعى رامى محمود قائلا: « بدأنا فى مراقبة المتهمين الأربعة إلى أن شاهدنا العربجى يدخل حصانا هزيلا إلى منزل شقيقه، ثم خرج منه مؤذن المسجد وملأ «جركن» بالماء ودخل مرة أخرى.. جمعنا عددا كبيرا من اهالى المنطقة ووقفنا أمام المنزل وعندما شاهدتنا زوجة الجزار راحت تسبنا وتشتمنا وترفع صوتها بقصد تنبيه زوجها ورفاقه حتى يهربوا.. أدركنا غرضها فاقتحمنا المنزل، وما إن شاهدنا المتهمون حتى لاذوا جميعا بالفرار تاركين حصانا مذبوحا خلفهم.. طاردناهم فى كل مكان وتمكنا من الإمساك بصاحب المنزل "رضا"، أما مؤذن المسجد ورفيقيه فقد تمكنوا من الهرب.. أبلغنا قسم شرطة أوسيم وحضرت قوات الشرطة وتحفظت على اللحوم واقتادت المتهم إلى القسم».. اتفق مع كلام الشاهدين معظم اهالى عزبة الخلايفة وأكد الجميع انهم تناولوا لحوما من هؤلاء الجناة سواء من خلال شرائها بأسعار رخيصة أو على موائد الرحمن، ورددوا عبارة واحدة هى «حسبى الله ونعم الوكيل». انتقل المحقق إلى مركز شرطة أوسيم وهناك التقى المقدم عطية نجم رئيس المباحث وسأله عن اعترافات المتهم وما توصلت إليه التحريات حول الواقعة فأجاب: « المتهم اعترف بتفاصيل الواقعة مؤكدا أنه والمتهمون الآخرون ذبحوا نحو 10 خيول منذ بداية شهر رمضان المبارك فى منطقة الوراق وباعوا لحومها للمسئولين عن موائد الرحمن بأسعار زهيدة، وعندما بدأت الشكوك تحاصرهم، نقلوا نشاطهم إلى منطقة عزبة الخلايفة بأوسيم وذبحوا عددا من الخيول الهزيلة والمريضة وباعوا لحومها بذات الطريقة.. المتهم أضاف فى اعترافاته أنهم قبل أن يشرعوا فى تجارتهم غير المشروعة، استفتوا بعض المشايخ وأكد وان أكل لحوم الخيول حلال، ثم أجروا اختبارا على هذه اللحوم.. حيث قاموا بطهى كميات منها ووزعوها على الأهالى من الفقراء والمارة على طريق مصر اسكندرية الصحراوى مع خبز وأرز وكأنها صدقة على الفقراء فى رمضان، وعندما لم يشك أحد منهم او يصاب بأذى بدأوا فى ذبح الخيول بأعداد كبيرة وقسموا أنفسهم بحيث يتولى العربجى إحضار الخيول وتوزيع اللحوم، والجزار مهمته الذبح والمؤذن وصاحب المنزل عليهما جلب الزبائن». أثناء تواجد المحقق داخل قسم الشرطة.. فوجئ بالعشرات من الاهالى يحاصرونه ويهتفون ضد تجار لحوم الخيول وطالبوا باستلام المتهم للقصاص منه بأنفسهم لأنهم يعلمون أن القانون لن يشفى غليلهم.. خرج إليهم والتقى بسيدة تدعى حميدة راشد (50 سنة)، وسألها عن سبب تواجدها أمام القسم فأجابت: « جئت للانتقام من هؤلاء المجرمين.. أردت أن أفعل الخير فى رمضان وأقمت مائدة للرحمن.. واشتريت من هؤلاء لحوما بكميات كبيرة بعد أن اقنعونى أنها لحوم بلدية، وبرروا رخص سعرها برغبتهم فى التخفيف عن الناس فى هذا الشهر الكريم، وقدمت اللحوم للغلابة».. واصلت السيدة حديثها من بين دموعها قائلة: « منذ أن علمت بحقيقة هذه اللحوم وأنا لا أنام.. أخشى أن أكون قد تسببت فى إيذاء ضيوف الرحمن.. أردت ان أتقرب الى الله فأفسد هؤلاء المجرمون عملى».. وبمرارة بالغة تحدث «عبدالباسط فرغلى» (صاحب محل حواوشى) قائلا: «اشتريت من هؤلاء المتهمين 10 كيلو لحوم على اعتبار انها جملى، ولم أشك فيهم ابدا لأنهم شيوخ وأعددت السندوتشات منها وبعتها للناس دون أن أعلم أنها لحوم فاسدة».. وأكد كل من فوزى بيومى ومحمود حمدى وعبدالله محمد ورشاد عوضين، أنهم يشعرون بإعياء شديد بعد أن علموا بالواقعة، فهم أكلوا من تلك اللحوم، ويرفضون تناول الطعام إلا قليلا.. فى حين نصح الدكتور محمد شوقى وهو من أبناء المنطقة، جميع من تناول هذه اللحوم بإجراء تحاليل سريعة لأنها ذات تأثير ضار بالصحة وربما تسبب التسمم على المدى البعيد.