جنوب سيناء محافظة وليدة لا يتعدى عمرها أربعين عامًا وكانت مهيأة لتكون المحافظة السياحية الأولى عالميًا؛ لما تمتلكه من أماكن سياحية مختلفة ومتنوعة، سواء ترفيهية أو دينية أو ثقافية بخلاف مناطق الغوص المميزة، وقلما توجد محافظة بها هذا الكم الهائل من الممتلكات السياحية فى العالم كله، وعندما أحدد المحافظة بأكملها فأنا أعنى كل مدنها الثمانى على خليجى العقبة والسويس. ومع كل هذه الإمكانيات أصبحت- بعد ثورة يناير- تمتلئ بالعشوائيات فى معظم مدنها فبدلًا من أن تتميز المحافظة الوليدة بتخطيط مميز وتنظيم مبهر، أصبحت وللأسف الشديد تتكون من مجموعة من العشوائيات تتوسطها مدن مرتبة، ففى طور سيناء العاصمة مثلًا انتشرت المناطق العشوائية ففى منطقة مصيعط تراصت مجموعة من المبانى المخالفة لتعلن للزائر أنها فوق القانون وأنها ضد الجمال والتنظيم رغم أنها كلها تعديات على أراضى الدولة وصدر بحقها قرارات إزالة إلا أن التقاعس عن تنفيذ تلك القرارات جعل الناس يطلقون عليها بدلًا من مصيعط مصاعب، وفى قرية الوادى انتشرت المبانى العشوائية على ضفتى الطريق حتى لم يعد بها متنفس أخضر واحد لساكنيها . أما فى قرية الجبيل فقد انتشرت المناطق العشوائية بصورة مرعبة حتى أن الأهالى أطلقوا عليها أسماء مختلفة فالمنطقة خلف مركز شباب الصيادين أصبحت عزبة الصفيح، حيث يوجد أكثر من خمسين مبنى ومنزلًا أقيم بدون تراخيص وبدون عقود ملكية ..وأقيمت المنازل والبيوت بطريقة عشوائية بلا تنظيم أو ترتيب وبلا مرافق أيضًا حتى أن السائر بين دروبها كالسائر فى بيت جحا، لا يعرف البداية ولا يستطيع أن يصل للنهاية..وهناك منطقة المزارع حيث يطلق عليها الأهالى "باب الحديد" حيث تكثر المبانى ذات الأسوار والبوابات وتتجمع بها مجموعة من الوافدين لكل منهم قيراط وقيراطين ليتم بناء منطقة عشوائية جديدة على هيئة منازل فى شوارع مبهرجة أحيانًا وضيقة جدًا أحيانًا أخرى، وملفوفة ومموجة فى كل الأحوال...وهناك مناطق عشوائية أخرى فى مناطق أخرى وفى مدن أخرى وفى قرى أخرى. وأعتقد أن السبب الرئيسى فى انتشار هذه العشوائيات يرجع لسببين رئيسيين أولهما هو شركة الكهرباء لأن المبانى المقامة كلها مخالفة وكلها صادر لها قرارات إزالة ومع ذلك فإن شركة الكهرباء تيسر توصيل التيار الكهربى إلى تلك المناطق بمنتهى السهولة، فإنه يكفى للمخالف أو القائم بالبناء أن يتجه للشركة ويطلب توصيل الكهرباء فتسارع الشركة لتلبية طلبه دون الرجوع إلى الجهات الإدارية أو الحى أو القرية التابع لها المبنى وإنما تسارع الشركة بتوصيل التيار الكهربى تحت مسمى" الممارسة". وهو للأسف السبب الأساسى والرئيسى فى ازدياد الظاهرة، لأن المتعدى لا يستطيع أن يقيم بمبنى بدون كهرباء أو ماء وعندما يرى سهولة توصيل الكهرباء فإنه يسارع بتسكين عائلته ليصبح أمرًا واقعًا من الصعب تغييره، وفى السابق كانت الهيئات العاملة ضمن نطاق المدينة لا تستطيع توصيل المرافق إلى أى مبنى إلا بعد وصول خطاب رسمى من المدينة لها يطلب توصيل المرافق لها إلا أن تلك الهيئات ضربت بعرض الحائط هذا النظام وأصبحت الكهرباء فى كل مكان دون النظر إلى مخالفة المبنى. وإنما كل ما يهم الشركة هو الممارسة حيث إن حسابها يرتفع كثيرًا عن العداد العادى فتستفيد الشركة من فارق السعر دون النظر إلى أهمية التنظيم والتنسيق..أما السبب الثانى فى انتشار العشوائيات فهو غياب الأمن وغياب الرقابة القوية التى تستطيع أن تنفذ القانون.. وبدلًا من أن تكون جنوبسيناء محافظة السحر والجمال أصبحت للأسف مرتعًا للمبانى المخالفة والحوارى الضيقة والشوارع الملفوفة وأعمدة الأسمنت الصماء الجوفاء التى تقضى على المساحات الخضراء وتبرز اللون الأصفر لون الجدب بدلًا من الأخضر الزاهى لون الحياة.