لأكثر من ثلاثين عاما قضاها الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى الحكم.. حرص على التحرك وسط موكب ضخم يضم المئات وأحيانا الآلاف من الضباط والجنود، فضلا عن أسطول كبير من السيارات.. وهو ما يعرف بروتوكوليا ب «التشريفة».. وعلى خطاه سار وزراؤه وأركان حكمه، فكانوا يتحركون هم أيضا وسط تشريفة كبيرة وإن كانت أقل من تلك الخاصة بالرئيس.. وبعيدا عن أن هذا الموكب يتسبب فى اختناقات مرورية حادة، ويعطل مصالح الناس فضلا عن انه يكلف خزانة الدولة الملايين دون فائدة تذكر للمواطنين، فإن.. «فيتو» التقت عددا من الخبراء الأمنيين وسألتهم عن «التشريفة» وتكاليفها وأسباب المغالاة فيها أثناء حكم الرئيس المخلوع، وعن تأثيرها على الحالة النفسية للضباط وانعكاساتها على الأمن العام فى الشارع وتوفير الحماية للمواطنين، ومستقبلها فى عهد الرئيس القادم. «زفة عروسة لا أكثر ولا أقل».. هكذا وصف اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الأمن العام، التشريفة التى كانت ترافق الرئيس السابق حسنى مبارك ووزراءه فى كل تحركاتهم، موضحا ل «فيتو»: « التشريفة مظهر من مظاهر الأبهة التى تكلف خزانة الدولة ملايين الجنيهات بلا فائدة تذكر، وترهق الضباط والجنود المشاركين فيها وتضيَع وقتهم، ومن ثم يحدث تقصير فى مهامهم الأساسية المتمثلة فى تأمين الناس.. أيضا هذه «الزفة» تتسبب فى تعطيل مصالح المواطنين، واختناقات مرورية شديدة». وعن تأثير التشريفة على كفاءة الضباط والجنود فى أداء مهامهم الأساسية وعلى عملهم الشرطى بشكل عام قال البسيونى: « بالطبع يتأثر أداء رجال الشرطة لمهامهم فى حفظ الأمن ومكافحة الجريمة، بسبب الإرهاق الشديد الذى يتعرضون له فى التشريفة.. فضباط المباحث وغيرهم يقفون على أقدامهم لوقت قد يمتد إلى عشر ساعات كاملة، بعدها يعودون إلى عملهم غير قادرين على فعل أى شئ سوى النوم.. أيضا حالتهم النفسية تتأثر بشكل واضح لأنهم يشعرون بذل ومهانة من وقوفهم كل هذه المدة يؤدون عملا ليس من اختصاصهم.. فهم يتعلمون فى كلية الشرطة كيف يخدمون وطنهم ويحمون الناس من الخارجين على القانون، وفى التشريفة يكتشفون أنهم يحمون شخص الرئيس فقط». البسيونى بدا متفائلا بالرئيس الجديد أيا كان وعبر عن ثقته التامة فى أنه سيلغى «التشريفة» نهائيا أو سيقللها قدر المستطاع.. « الرئيس الجديد لا يمكن ان يسير على خطى المخلوع لأنه جاء بعد ثورة شعبية على أوضاع فاسدة، ومنها المغالاة فى البروتوكول الرئاسى ومنه التشريفة، واعتقد أنه سيكتفى فقط بإجراءات تأمينه الشخصية، وكذلك إجراءات تأمين الضيوف، ولن يكرر نفس أخطاء الرئيس السابق والتى انتهت به إلى سجن طرة». اللواء ماجد مصطفى نائب مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزى، يرى أن رجال الشرطة سواء الضباط أو الجنود هم الذين يتحملون العبء الأكبر فى تشريفة الرئيس.. فهم يصطفون فى طوابير على طول خط سيره قبل ان يخرج من منزله بنحو ست ساعات، ومنهم من يقف ووجه للحائط ولا يجرؤ على الالتفات للخلف أبدا، ويظلون على هذا الوضع حتى انتهاء الزيارة وعودته الى منزله أو الى القصر الرئاسى. وبالطبع هذا المجهود الجبار ينعكس سلبا على قدرة الضباط والجنود على أداء عملهم بالكفاءة المطلوبة، أيضا حالتهم النفسية تتأثر بشدة ويصبحون غير مؤهلين للعمل الشرطى بصفة عامة، فهم تخرجوا من الشرطة وكلهم حماسة لخدمة وطنهم، وفجأة يجدون أنفسهم فى خدمة شخص يستخدمهم وللاستعراض فقط.. ويؤكد أن التشريفة كانت «منظر فقط» قائلا ل«فيتو»: « جميع الجنود والضباط المشاركين فى التشريفة يسلمون أسلحتهم الشخصية أثناء زيارة الرئيس، خوفا من قيام احدهم باغتياله، وهذا يؤكد أنها كانت بغرض المنظرة وليس التأمين». مصطفى يتمنى من الرئيس الجديد أن يكون جادا فى إلغاء التشريفة، والاقتداء برؤساء الدول المتقدمة الذين يتحركون فى مواكب صغيرة جدا ولا يتسببون فى زحام مرورى، أو تعطيل لمصالح المواطنين.. وحتى يتفرغ رجال الشرطة لمهامهم الأساسية فى تأمين المواطنين وقضاء مصالحهم. أما الخبير الأمنى محمود قطرى فيرى أن التشريفات من مظاهر الفساد الذى انتشر فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك وكانت سببا أساسيا فى ارتفاع معدلات الجريمة لانشغال الضباط والجنود بها، وتعطيل مصالح الناس نظرا لما تسببه من اختناقات مرورية شديدة.. فضلا عن أنها تكلف الدولة ملايين الجنيهات متمثلة فى مكافآت للضباط ووجبات غذائية للجنود المشاركين فيها.. قطرى أكد أنه على الرئيس الجديد أن يلغى ما يسمى بالتشريفه وأن يبقى على القليل فقط منها وهو الخاص بالبروتوكول الرئاسى المتعارف عليها دولياً.