[email protected] تتابعت الخطوات الحثيثة فى الخطة الاستراتيجية لجماعة الإخوان المسلمين، فى اتجاه أخونة الدولة. ويتأكد ذلك من خلال متابعة القرارات الأخيرة الخاصة بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، والذى استبعد من عضويته مجموعة متميزة من شيوخ قمة الصحافة ومن الكتاب المتميزين، وكذلك القرار الخاص بإعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان. وإن كانت الموضوعية تقتضى القول إن تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان يعد متوازناً بالرغم من ضم أسماء لرموز إخوانية معروفة إليه، لأنه ضم أسماء يسارية معروفة، أبرزها عبد الغفار شكر الذى عين نائباً لرئيس المجلس بالإضافة إلى عدد من اليساريين المعروفين. ومع ذلك فتشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان لم يرض بعض رموز التيار السلفى، وعلى رأسهم النائب السابق ونائب رئيس حزب الفضيلة ممدوح إسماعيل وأطلق على القرار أنه "كوسة كبيرة". ويبدو أنه شعر بمرارة لأنه لم يتمتع بأى "بركة" إخوانية من البركات التى توزع الآن فى شكل مناصب هنا وهناك، سواء فى مجال تعيين المحافظين أو تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان، أو المجلس الأعلى للصحافة. والأستاذ ممدوح إسماعيل المحامى النائب السابق ليس شخصية هينة، لأنه دخل التاريخ من أضيق أبوابه، حين وقف ذات جلسة من جلسات مجلس الشعب المنحل لكى يؤذن لصلاة الظهر أثناء المناقشات الجارية فى الجلسة، مما دفع برئيس المجلس المنحل وهو يشخط فيه "اجلس ولا تزايد علينا فى الإسلام!" غير أن الرجل أصر على استكمال رفع الأذان فى سابقة تاريخية، قبل أن يسحبه بعض زملائه إلى خارج الجلسة، وهو يقاوم بشدة! ويبدو أن حرمان ممدوح إسماعيل من "البركات" الإخوانية دفعه إلى هجوم عنيف ضد من أسماهم "الموجودين فى السلطة". وقال – لا فض فوه – "أعتقد أن بعض أفعال وقرارات من فى السلطة ومن يعاونهم خاصة فى الترشيحات تعطى للمعارضين فرصة فى صدق معارضتهم. وأضاف "اتقوا الله فسقوط التجربة الإسلامية الآن يعنى أنها لن تقوم لها قائمة إلى أن يشاء الله، والبعض يسعى لسقوطها، بسبب أسلوب الترضية والتوافق مع قوى لم يكن لها فى تاريخ النضال من أجل الحق تاريخ يذكر فى الوقت الذى يتم فيه إغفال المستحقين بسبب شخصى أو حزبى فاتقوا الله وليس التقوى بتمتمة كلمات ولا بمظهر إنما بعمل يرضى الله ولو على أنفسنا". وتابع الرجل قائلاً "لن أسامحكم ومعى الآلاف ممن ناضلوا وضحوا بحياتهم فى المعتقلات والسجون من أجل تلك اللحظات التاريخية التى أراها تضييعا للأمانة وإسناد الأمر لغير أهله". ولو حللنا هذا الخطاب بمنهج علمى دقيق لاكتشفنا أن الأستاذ ممدوح إسماعيل ناقم نقمة شديدة على جماعة الإخوان المسلمين، لأنها جاملت بعض الناس لأسباب سياسية أو حزبية وأقطعتهم بعض الوظائف والمناصب، فى حين أنه لم ينل أى شيء لا هو ولا طائفة ممن أسماهم بالمستحقين". وهؤلاء "المستحقون" – فى عرفه – هم هؤلاء الذين ناضلوا من قبل غير أن الجماعة رأت إغفالهم وهى فى زحمة توزيع المناصب على الأقارب والأباعد! ومن هنا صاح ممدوح إسماعيل صيحته المدوية تعليقاً على تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان، والذى لم ينل شرف عضويته مكافأة له على جهاده الطويل، ولذلك نعت القرار بأنه "كوسة كبيرة". وهكذا لفت نظرنا إلى أهمية التفرقة فى مجال توزيع أخونة الدولة وتوزيع المناصب بين "الكوسة الصغيرة" و"الكوسة الكبيرة"، وتلك وأيم الله – تفرقة منهجية مهمة تصلح لتحليل ظواهر الفساد السياسى، والذى من علاماته الغزو المنظم لكل مؤسسات الدولة لأخونتها مع تطعيمها – ذرا للرماد فى العيون – ببعض الأسماء اليسارية أو الثورية! والسؤال هنا هل يعنى هذا البيان النقدى العنيف الذى وجهه ممدوح إسماعيل السلفى ضد جماعة الإخوان المسلمين أننا سنشهد فى القريب العاجل صراعاً سياسياً سلفياً إخوانياً، أم أنه سيتم الاتفاق على السياسات الانتخابية لضمان الأكثرية الإخوانية السلفية فى المجالس القادمة؟ ربما كانت غضبة ممدوح إسماعيل شخصية أكثر منها حزبية، وقد ترجح كفة التعاون الإخوانى السلفى على كفة الصراع، لتفويت الفرصة على الجبهة الليبرالية اليسارية التى تشكل هذه الأيام للوقوف بحزم ضد أخونة الدولة وأسلمة المجتمع!