فى الوقت الذى كان فيه المشير حسين طنطاوى وأعضاء المجلس العسكرى، مجتمعين برؤساء الأحزاب وممثلى القوى السياسية للاتفاق على أسس اختيار لجنة صياغة الدستور.. فوجئ الجميع بسكرتيره الخاص يدخل قاعة الاجتماع ويقدم ورقة صغيرة للمشير كتب عليها عبارة واحدة هى: « السعودية أغلقت سفارتها وقنصلياتها وسحبت السفير».. تغيرت ملامح طنطاوى واستأذن الحاضرين فى رفع الاجتماع لدقائق.. انتحى جانبا مع بعض مستشاريه وتبادلوا حديثا قصيرا، وبعده بلحظات أجرى المشير اتصالا هاتفيا بالملك عبدالله ملك السعودية.. بدأ الحوار بشكل ودى تبادل خلاله الطرفان التحية واطمأن كل منهما على أحوال الآخر.. ثم تحدث المشير عن الأزمة الأخيرة بين البلدين والتى حدثت على خلفية، احتجاز المحامى المصرى أحمد الجيزاوى، وما تلاه من تجمع للمصريين ورفع الأحذية أمام السفارة السعودية، مؤكدا أن العلاقات بين مصر والسعودية تاريخية، وراسخة ولا يمكن أن تهتز لأى سبب من الأسباب، وان القاهرة لا يمكن ان تقبل إهانة المملكة باى شكل من الأشكال.. ورد عليه الملك عبدالله مؤكدا على عمق العلاقة بين البلدين، وأنها أكبر من أى مهاترات، وانه يتفهم الوضع ويعمل على حل الأزمة سريعا وإعادة فتح السفارة خلال ساعات. «فيتو» علمت من مصادرها الخاصة أنه بعد الاتصال بين المشير والملك، دخلت القاهرة والرياض فى مفاوضات طويلة للاتفاق على آليات إنهاء الأزمة، وتطرقت تلك المفاوضات إلى قضية الجيزاوى، والمتهمين السعوديين فى قضية «شبكة القاصرات» فيما يشبه صفقة لتبادل الأسرى بين الدولتين.. واشترط الجانب السعودى كذلك الحصول على ضمانات من مصر بعدم تكرار ما حدث أمام السفارة، ومنع محاولات اقتحامها مجددا أو الاعتداء عليها بأى شكل من الأشكال، وتكثيف عمليات التأمين حول السفارة والقنصليات بما يوفر الحماية اللازمة لأفراد البعثات الدبلوماسية السعودية. والأزمة الأخيرة يمكن رصدها فى ثلاثة محاور ،أولها سياسى ، والثانى : يتعلق بمستقبل العمالة المصرية فى السعودية والتى تقدر بنحو مليونى مصرى، والثالث خاص بملف الحج والعمرة . من جانبهم ..رأى سياسيون أن سحب السعودية سفيرها وإغلاق السفارة والقنصليات بمصر سوف يؤثر بشكل أو بآخر على عمق العلاقات المصرية السعودية ، كما ستنعكس تداعيات تلك الخطوة-حال استمرارها- على حقوق المصريين العاملين بالسعودية . الدكتور حسن أبو طالب خبير الشئون العربية بمركز الأهرام قال إن الإجراءات التي أقدمت عليها السعودية جاءت احتجاجا على ما تعرضت له سفارتها الأسبوع الماضى من احتجاجات شعبية على خلفية أزمة المحامى الجيزاوى . أبو طالب قال ل"فيتو" :إن مثل هذه الأزمات لا يجب أن يتم التعامل معها على هذا النحو الذى يسئ إلى علاقات تاريخية ومصالح مشتركة بين البلدين . ودعا أبو طالب الحكومة المصرية -التى سارعت بإصدار بيان أعربت فيه عن أسفها للأحداث التى وقعت أمام السفارة السعودية – إلى أن تتعامل مع السعودية بأعلى درجة من المسئولية . من جانبه رأى جمال عبد الجواد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الأزمة الأخيرة عملت على تأجيج هذا التوتر وأن التصرف الذي قامت به المملكة بإغلاق السفارة والقنصليات يعتبر جرس إنذار لمستقبل العلاقة بين البلدين. وعلى صعيد العمالة المصرية فى السعودية والمساعدات التى وعدت بتقديمها لمصر ..رفض الدكتور أحمد البرعى وزير القوى العاملة الأسبق التلويح بمستقبل العمالة المصرية بالسعودية كأحد أبرز الملفات التي يمكن أن تنتقل إليها أزمة التوتر بين البلدين مشيرا فى الوقت ذاته أن الأيدي العاملة المصرية لا تأخذ حسنة من أحد – على حد وصفه – وعلى الجميع ان يتفهم أن المصلحة مشتركة وتضامنية , ففي الوقت الذي يعد فيه سوق العمل السعودي أحد أكبر المستقبلين للعمالة المصرية , فلا غنى للاقتصاد السعودي عن العمالة المصرية. البرعى قال :ان الثورة غيرت وجه المصريين فى الخارج بشكل كبير وأعادت للمصريين هيبتهم التي افتقدوها نتيجة التجاهل المتعمد من ناحية وضعف النظام البائد من ناحية أخرى . وحول تداعيات إغلاق السفارة السعودية بالقاهرة والخسائر المحتملة لهذا القرار وتداعياته على العمالة المصرية أكد البرعى أن الحديث عن تسريح العمالة المصرية بالمملكة هو أمر مستبعد لان المصلحة ليست فى اتجاه واحد وإنما مشتركة بين الجانبين. وبين أن السعودية موقعة على اتفاقية حقوق الإنسان وكذلك اتفاقيات حماية حقوق العمالة الأمر الذي يستوجب اللجوء للجهات الدولية حال تسريح العمالة بالمملكة وقال " لدينا القدرة فى اللجوء للجهات الدولية لحماية العمالة المصرية. وحول امتداد تداعيات الأزمة الحالية بين مصر والسعودية إلى المساعدات التي سبق أن رصدتها المملكة لدعم الاقتصاد المصري بواقع 3.75 مليار دولار استبعد الدكتور حازم الببلاوى وزير المالية الأسبق امتداد التوتر فى العلاقات المصرية السعودية إلى المساعدات السعودية لمصر – والذي كان احد أطراف الاتفاق بين البلدين – مشيرا فى الوقت ذاته بأن العلاقات بين البلدين أكبر من ذلك بكثير أما الدكتور على لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق فلم يستبعد توقف المساعدات السعودية التي سبق أن وعدت بها لدعم الاقتصاد المصري فى حالة تصعيد الجانب المصري للخلاف منتقدا التجاوزات التي حدثت أمام السفارة السعودية بالقاهرة. وعلى صعيد ملف الحج والعمرة .. أصابت الخطوة التى أقدمت عليها السعودية الشركات السياحية العاملة فى الحج والعمرة بالصدمة إذ جاءت فى وقت تعانى فيه هذه الشركات من أزمات متلاحقة وخسائر متدفقة منذ قيام الثورة. من جانبه اعتبر عبد العزيز حسن رئيس قطاع الإدارة المركزية للشركات بوزارة السياحة أن هذا القرار سيكون له تداعيات وخيمة على التزام شركات السياحة تجاه عملائها فى العمرة والزيارات للمملكة بعدما تم الحجز فى الفنادق وتحديد مواعيد السفر .. كما حذر من تأثير غلق القنصليات السعودية في مصر، على تأخير استخراج التأشيرات بجميع أنواعها بما فيها تأشيرات العمرة مما سيتسبب في عدم وفاء شركات السياحة بالتزاماتها أمام المعتمرين والإخلال بمواعيد الرحلات والطيران، مشيرا إلى انه يأمل أن تستأنف القنصليات السعودية عملها في أقرب وقت ممكن. «قرار مفاجئ لم يكن فى الحسبان سيسبب خسائر كبيرة لشركات السياحة ونحن فى مستهل موسم الحج والعمرة" ..هكذا علّق عمرو صدقى- نائب رئيس غرفة شركات السياحة – على القرار السعودى ،واصفا إياه بأنه سياسى ،لكنه جاء فى وقت قاتل للسياحة بصفة عامة التى لم تتعاف من أزمتها حتى الآن . صدقى ناشد جميع القوى السياسية فى مصر بضبط النفس والابتعاد عن التصريحات الانفعالية التى تضر أكثر مما تنفع وان نترك مجالا رحبا للدبلوماسية تصلح ما أفسدته الأزمة. وبدوره يصف حمدى الشامى -وكيل اول وزارة السياحة سابقا- قرار المملكة السعودية بالمتعجل مشددا على أنه يشكل نكسة حقيقية للسياحة الدينية الشامى اقترح إنشاء لجنة لإدارة الأزمة تضم وزارات الخارجية والسياحة والداخلية لوضع حلول لشركات السياحة الدينية. من جانبه يرى الدكتور محمد الدمرداش- المستشار القانونى لوزارة الشئون والتأمينات الاجتماعية عضو مجلس إدارة مؤسسة تيسير الحج والعمرة بالوزارة- أن موسم الحج هذا العام يسير فى ترتيباته على قدم وساق متوقعا أن الحكومة السعودية لن تقدم مهما حدث على التضييق على حجاج بيت الله الحرام من المصريين غير أنه فى الوقت نفسه لم يستبعد هل ان تفكر السعودية فى التراجع عن استكمال برنامج المساعدات لمصر الذى أعلنت عنه وقت سابق للأزمة.