في التاريخ المصريّ الحديث يبدو الإخوان المسلمون، والإسلاميّون استطراداً، كائناً غير منظور، وفي أحسن الأحوال غامضاً، فهم يندرجون في تواريخ ثلاثة يصعب وصل أيّ منها بتاريخ سياسيّ محدّد أو ردّه إليه. فتارةً يقيم الإسلاميّون في تاريخ الدعوة والهداية، وهذا ما يصحّ خصوصاً في السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس الإمام حسن البنّا جماعة الإخوان في الإسماعيليّة عام 1928، وتارةً تراهم مُقيمين في تاريخ الإرهاب والنشاط المليشيويّ الموازي، يصحّ ذلك في تأسيس التنظيم الإرهابيّ المسمّى «النظام الخاصّ»، المتفرّع عن الإخوان، في 1940، ثمّ في حركة الاغتيالات السياسيّة النشطة التي حصدت، فيمَن حصدت، رئيسي حكومة، هما محمود فهمي النقراشي، وأحمد ماهر، قبل أن يجيء الردّ عليها باغتيال البنّا نفسه عام 1949، وهذا الموقع الوطيد في تاريخ الإرهاب عاد يثبّت نفسه من جديد في النشاطات الفاشيّة التي شاركتهم إيّاها «مصر الفتاة» قبيل انقلاب يوليو 1952، ثمّ لاحقاً مع أفكار سيّد قطب في الستينيات، والتي فعلت فعلها باغتيال أنور السادات في 1981 ، وبولادة حركات «الجهاد» الشهيرة، كذلك، كان للإخوان موقع مرموق في تاريخ الاضطهاد والظلم الذي أنزله بهم جمال عبد الناصر منذ محاولة اغتياله في 1954، ثمّ السادات في النصف الثاني من عهده، وصولاً إلى العهد المديد لحسني مبارك، هنا كُرّسوا ضحايا، تموّه صورتُهم الضحويّة صورتيهما الأخريين وتخفّف منهما. وكانت المرّات القليلة التي تمّ التعامل فيها مع الإخوان بشكل شبه سياسيّ فتراتٍ قصيرة جدّاً، ينطبق هذا الطابع العابر على التحالف الذي أقامه معهم الملك فاروق، (والشيخ المراغي، وعزيز علي المصري، ومصر الفتاة) فيما عُرف بأزمة فبراير 1942 مع الإنجليز، ثمّ التحالف مع عبد الناصر وضبّاطه الأحرار الذي استمرّ أقلّ من عامين، والتحالف الآخر مع السادات في النصف الأوّل من عهده، وفي الحالتين الأخيرتين انتهى الأمر، كما هو معروف جيّداً، قمعاً شرساً. ثورة يناير جعلت الإخوان، والإسلاميّين عموماً، قوّة منظورة، لقد باتوا في قلب المشهد السياسيّ وفي واجهته، حكّاماً ومحكومين، صاروا أجساماً بعدما كانوا أشباحاً أو جثثاً، وقد كان من غير المنطقيّ، بل من غير الطبيعيّ، أن تعمل عناصر عدّة على تقوية الإسلاميّين، خصوصاً منها السياسات الرسميّة وانكفاء الدولة عن وظائفها الخدميّة، وأن يبقوا، في الوقت نفسه، خارج المشهد والمنظوريّة السياسيّين. بهذا كسرت ثورة يناير ذاك التناقض الكبير في التاريخ المصريّ الحديث، وإلى حدّ ما العربيّ، ناقلةً المسألة إلى عناوين أخرى تُطرح على الأجسام، لا على الأشباح والجثث: هل ينصاع الإسلاميّون للّعبة السياسيّة؟، هل المجتمع المتأسلم، مجتمعهم، يجعل العقل والمصالح، لا الغيب، معيار اختياره لخياراته المستقبليّة؟، هل يمكن أن يُبنى معهم وطن ودولة وأمّة حديثة، أم تتكرّس جماعة وأمّة دينيّة يكون كلّ واقفٍ خارجها خارجيّاً بحتاً؟. وهذا بذاته، إنجاز كبير، حتّى لو لم تأت الثورة المصريّة بسواه، فكيف وأنّ الأحداث الغنيّة التي تعيشها مصر تجعل الإجابات، السيئ منها والجيّد، تتسارع على نحو كان توقّعه، قبل أشهر فحسب، صعباً جدّاً! نقلاً عن "الحياة" اللندنية..