الحقيقة يا عزيزي أنا أستطيع الحديث عن ماضي الحركة الإسلامية ، كما أستطيع الحديث عن مضارع الحركة الإسلامية ، ولكنني قد يغم عليَّ الأمر إذا أردت الحديث عن مستقبل الحركة الإسلامية ، وسبب غم الأمر غم الله نفس اللي في بالي هو أن الحركة الإسلامية ما زالت تعيش في فترة المراهقة، سواء من الناحية الفكرية، أو السياسية، أو التنظيمية ، ولا أظن أن الحركة الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان ستصل إلى مرحلة الرشد والعقل في المستقبل القريب ، كما أن أولويات الحركة الإسلامية أصابها الخلل ، وأغلب الظن أن هذا الخلل راجع إلى عدم قدرة جماعة الإخوان باعتبارها الألفة قراءة الواقع قراءة صحيحة ، ورؤية الآخرين رؤية منضبطة ، فآفة ما تمر به الجماعة هو أنها ترى الآخرين ومصر والعالم من خلال مرآة ، فكلما نَظَرَت إلى المرآة لا ترى إلا نفسها ، فتظن أن غيرها ليسوا على شيء ، وليسوا على صواب ، وكلما نظرت إلى المرآة قالت كما كانت الساحرة الشريرة في قصص الأطفال تقول : يا مرايتي يا مرايتي من في الدنيا أجمل مني ، وتسمع الجماعة نفسها لا المرآة وهي تقول : جماعة الإخوان طبعا هي أجمل من في الدنيا !! . الجماعة إذن ، ومعها الحركة السلفية لا ترى, ولا تسمع, إلا رجع صدى صوتها, ولكنها أصمت آذانها عن سماع الآخرين ، لذلك فهي لا تفهم تلك اللغة الغريبة التي تتكلم بها كل الطوائف السياسية, وتكاد تقسم أنهم يتكلمون بلغة " خنفشارية " غير مفهومة ، وبالتالي فإنها على يقين أن رموز الحركة السياسية والوطنية المختلفين معها هم أعداء الإسلام ، وأنهم من الملحدين والكفرة ، لذلك وقف الشيخ المحلاوي على المنبر يقول : الليبراليون والعلمانيون كفرة ، وقام بعض أنصاف المتعلمين من الشيوخ بالدعاء في المساجد بأن يهلك الله الليبراليين ومن والاهم ، وحين كتبت أنا شخصيا في "فيتو" مقالة عن ليبرالية عمر اتهمني أحد شيوخ الإسكندرية بالكفر والإلحاد ، وحين اختلفت "فيتو" مع طريقة جماعة الإخوان في الواقع السياسي وقعت بين شقي الرحى وتم اتهامها بأنها صحيفة " صليبية " بل وصل الأمر إلى حد الاعتداء بالضرب على أحد الصحفيين فيها ، مع أن عصام كامل رئيس تحرير "فيتو" مسلم مثقف، ومتدين ودمث الخلق، ويفهم من الدين ما لايفهمه هؤلاء ، أحسبه كذلك ياعم الحاج بديع ولا أزكي على الله أحدا ، وأتمنى من الله أن يكون عصام كامل مستجاب الدعوة ليدعو لكم لا عليكم ، بالهداية والرشاد وتمام العقل . لذلك فإنني أرى أن الحركة الإسلامية ستظل تحبو في ربوع المراهقة' حتى تدرك أن العدل والحرية هما من مقاصد الإسلام العليا ، ليست المقاصد قاصرة فقط يا سادة يا كرام على " حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ العقل وحفظ النسل " ولكن يجب أن تعلموا وأنتم تديرون الحركة الإسلامية أن حفظ العدل وحفظ الحرية مقدم على أي مقاصد أخرى ، إلا أن الفقهاء في عصور مضت, وانقضت لم يضعوا هذين المقصدين في مكانتهما المرجوة بسبب طبيعة الحكم الاستبدادي الذي كانت تعيشه الأمة.