إلغاء تنظيم النسل في إيران، خبر عادي لشأن داخلي في إحدى الدول، هكذا تبدو الأمور لمن يقرأها لأول مرة، قبل أن يطلع على خلفيات القرار وفي دولة كإيران استمرت لمدة ثلاث عقود من الزمان تنص على تحديد النسل لدرجة تجعل مخالفي القرار يتعرضون للعقاب أحيانا. ووفق التصريحات الإيرانية وعلى لسان محمد نظمي راديكالي، المسئول في السجن المدني الإيراني، فإن القانون الجديد ينص تشجيع المرأة للإنجاب والتحريم القاطع لوسائل تحديد النسل مبررًا قراره إنه يخشي أن يتحول المجتمع الإيراني "77 مليون نسمة " إلى مجتمع من الشيخوخة. مشروع القانون لم يكن ليصدر بتلك السهولة فسرعان ما انتقدته منظمة العفو الدولية معتبرة إياه تكريسا واضحا لتحويل المرأة الإيرانية إلى "آلة إنجاب" فيما كان للكاتبة السورية "ابتهال قدوي" تفسير آخر، بعد أن أكدت أن إيران التي تبسط نفوذها على أربع عواصم عربية "بغداد – دمشق- بيروت- صنعاء" بدأت تستعد للحروب المقبلة من خلال تجهيز أبناء جدد للمعركة. مشروع إيران في إلغاء الإنجاب لم يكن هو الوحيد من نوعه في تلك المرحلة، بل في الخفاء وتحت مسمى مناقشات عادية كان لدول أخرى نفس المضمار وهو ما يتلخص في حال المملكة العربية السعودية التي ناقشت الأمر ذاته منذ أربعة أشهر، لتتجه من التحريم الذي كان سائدا إلى تنظيم نسل وهو أمر يرفع العقوبة كثيرا عن سيدات المملكة ويعطيهم الفرصة للزيادة السكانية "تبلغ السعودية 28 مليون نسمة" وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا من قبل عامين إذ ظهر إلى السطح فجأة ويبدو أن هناك ضوءا أخضر لزيادة النسل ظهر هذا جليا في المناقشات التي لم تتسم بالتشدد للمرة الأولى في المملكة في أمر يخص الدين الإسلامي من وجهة نظرهم. لم تكن الإمارات بعيدة عن هذا الأمر ففي أكتوبر 2014 وتحت عنوان الهوية والمواطنة أعربت عن قلقها الواضح إيذاء تراجع معدل خصوبة المرأة الإماراتية وفق دراسة أجريت على 5822 مما دفع وزير الصحة للصرخة التي كان مفادها إنه يخشي من تآكل الدولة البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة يمثل الإماراتيون فيها ما يقرب من مليون أي أقل من 10%. من ناحية مصر فإنها لا تحتاج إلى دعوة في هذا الشأن "90 مليون مصري" فبرغم كافة حملات تنظيم النسل التي لا تنقطع من جانب الدولة المصرية إلا أن معدلات الزيادة السكانية مازالت تفوق التوقعات، في ظل خصوبة المرأة المصرية التي تسجل في هذا النحو مستوى مرتفعاً مقارنة بكافة الدول الأخرى. لم يكن الأمر على نفس السياق في سوريا التي أعلنت منظمات الحقوق المدنية صرخة من تآكل الشعب السوري ورغم أن المرأة السورية قبل ثورات الربيع العربي سجلت نسبة خصوبة عالية فإن الثورة تسببت في تراجع تلك النسبة لأسباب كثيرة أهمها الأسلحة التي تم استخدامها في الحرب من الجماعات المسلحة والنظام على حد سواء، بجانب إقبال المرأة السورية على أدوية الإجهاض ووفقا لحديث في الحياة اللندنية للدكتور ماجد أبوعلى طبيب بالأمم المتحدة، أن عددا كبيرا من نساء سوريا أنجبن أطفالا مشوهة بسبب الأسلحة مما دفع النساء إلى المطالبة صراحة بالإجهاض وسجلت في ذلك أن من بين كل 10 نساء تقدم اثنتان على تلك العملية التي تتكلف في بعض الأحيان مبالغ هائلة ولكنهم يفعلون ذلك من أجل عدم جلب أطفال في هذا الظرف، ولم يكن الأمر أفضل بكثير في الخرج فكان عدد مواليد السوريين بلغ 45 ألف في تركيا الموجود فيها أكثر من 2 مليون لاجئ سوري وهي نسبة منخفضة بشكل كبير. كانت فلسطين البالغ عدد سكانها مليون نسمة قد اتخذت من هذا الأمر سلاحا ساعدها على الاستمرار خلال تلك السنوات الماضية كان آخرها حرب غزة التي استمرت 50 يوما راح ضحيتها أكثر من ألفين وفق التقديرات بينما سجلت نساء فلسطين في تلك الفترة 2000 مولود. وما بين دول تعاني التآكل ودول تجهز لمعركة مقبلة من خلال توفير عتادها تظل معركة الأرحام تلوح في الأفق.