في الساعات الأولى من صباح الإثنين الماضى، وبينما كان المصريون جميعا، سوى جماعة الإخوان ومن على شاكلتها، يتململون في حالة من الحزن والإحباط الشديدين، بعد إعلان تنظيم «داعش» الإرهابى ذبح 21 مصريا، انطلق صوت المعلق العسكري العقيد «ياسر وهبة»، عبر قنوات التليفزيون ومحطات الإذاعة، بنبرة حاسمة، وأداء متقن، منقطع النظير، تاليا بيان القوات المسلحة، الذي جاء نصه: «شعبَ مصرَ الأبىّ، تنفيذًا للقرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطنى، وارتباطا بحق مصر في الدفاع عن أمن واستقرار شعبها العظيم، والقصاص والردّ على الأعمال الإجرامية للعناصر والتنظيمات الإرهابية داخل وخارج البلاد.. قامت قواتُكم المسلحة، فجر اليوم الإثنين، الموافق 16/2/ 2015، بتوجيه ضربة جوية مُركزة، ضد معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم «داعش» الإرهابى بالأراضى الليبية، وقد حققت الضربةُ أهدافها بدقة، وعادت نسورُ قواتنا الجوية إلى قواعدها سالمةً بحمد الله.. وإذ نؤكدُ على أن الثأر للدماء المصرية والقصاص من القتلة والمجرمين، حقٌ علينا واجبُ النفاذ.. وليعلم القاصى والدانى أن للمصريين درعا يحمى ويصون أمن البلاد، وسيفا يبتر الإرهاب والتطرف.. حمى الله مصر وشعبها العظيم وألهم أهالي شهدائنا الصبر والسلوان». وقبل أن يُنهى المعلق العسكري نص بيانه، بدأت سحب الحزن تتلاشى شيئا فشيئا، من صدور المصريين، الذين أدركوا أن جيشهم سوف يبقى دائما وأبدا سيف الوطن ودرعه، وتذكروا بطولاته في الداخل والخارج على مر التاريخ، إذ لم تكن الضربة الخاطفة لمعاقل «داعش» في ليبيا، هي الأولى من نوعها، بل سبقها مواقف أخرى عديدة، سوف نفصّل القول في بعضها، عبر الصفحات التالية. فالجيش المصري، هو أحد أقوى جيوش المنطقة، وحامى حماها، خرج منه معظم رؤساء مصر، وضرباته لمعاقل تنظيم «داعش» الإرهابى، في الأراضى الليبية، ردا على ذبح 21 مصريا، وتحقيق أهدافه بدقة وكفاءة متناهيتين، دليل دامغ على أن جنوده سوف يظلون أكرم الجنود وأشرفهم وأعظمهم وطنية وحبا لتراب بلادهم. والمراجع التاريخية المنصفة، تجزم بأن الجيش المصرى، هو أقدم جيش عرفته البشرية، منذ نجاح الملك الفرعونى نارمر، في توحيد الأقاليم المصرية، قبل أكثر من 5200 عام، خاصة إقليمى الشمال والجنوب، وبدأ منذ ذاك الحين ظهور ما يُعرف ب «جيش مصر»، بعد أن كان لكل إقليم جيشه الخاص، حيث بدأت مصر تأمين حدودها الإستراتيجية، فانطلق الجيش المصرى العظيم في جميع الاتجاهات، مُنشئا الإمبراطورية المصرية التي امتدت من تركيا شمالا، إلى الصومال ومنابع النيل جنوبا، ومن العراق والحدود الإيرانية شرقا، إلى ليبيا غربا، وهى الحدود التي شكلت أول إمبراطورية في التاريخ. ومع توسع الإمبراطورية المصرية، ظلت القيادة العسكرية المصرية، تعتمد على الجندى الوطنى المصرى، بشكل أساسى، سواء في سلاحها البرى المكون من: المشاة وسلاح العربات التي تجرها الخيول، أو سلاح الرماحين وباقى الأفرع الأخرى، أو السلاح البحرى الممثل في السفن والقوارب التي انتشرت بالبحرين المتوسط والأحمر ونهر النيل، لتحمى مياهنا الإقليمية وتدعم توسع الإمبراطورية. وعلى مدى التاريخ العسكري.. قدم الجيش المصرى زعامات عسكرية فذة ووطنية عظيمة، تُدرّس معاركُهم في مراكز البحوث العسكرية والتاريخية حتى الآن، فمن «نارمر» مُوحد القطرين ومنشىء الدولة المصرية الموحدة، إلى «تحتمس»، ثم «أحمس» طارد الهكسوس، إلى «رمسيس الثانى» صاحب الفتوحات الكبرى، امتدادا إلى عصر تاريخ الدولة الحديثة التي برز في بدايتها القائد «إبراهيم باشا»، صاحب الفتوحات التي زلزلت امبراطوريات العالم التي اتحدت ضده وضد مصر عام 1840، مرورا بحرب أكتوبر 1973، وليس انتهاء بما وصل إليه جيشنا العظيم الآن، حتى بلغ المرتبة الأولى عربيا وأفريقيا، وال 13 على مستوى جيوش العالم. والمراجع التاريخية، تكشف بجلاء، عن أنه في العصور التي اعتمد فيها حكام مصر على أبنائها في بناء وقيادة الجيش، كانت مصر تنشىء الإمبراطوريات، كما حدث في ثلاثة أزمنة تاريخية بارزة، هي: الفترة الفرعونية، والفترة الإسلامية الممتدة منذ فتح عمرو بن العاص لمصر مرورا بعصور الدويلات المتتالية وصولا إلى العصر الحديث، وحكم أسرة محمد على حتى الآن. وتخلد الرسومات الخالدة المنقوشة على معابد مصر ومقابرها الفرعونية ومسلاتها الشاهقة قصصا رائعة عن بطولات الجنود والقادة المصريين على مر التاريخ. مع انتهاء العصر الفرعونى حرصت القوى التي سيطرت على مصر من فرس لرومان ويونانيين وغيرهم إلى إبعاد المصريين عن قيادة الجيش وربما حتى الممارسة العسكرية تماما، خوفا من الوطنية المصرية التي يمكن أن تغلب على المصرى فيثور لصالح وطنه وهى أحداث تحققت عدة مرات بالفعل. ومنذ مجىء عمرو بن العاص فاتحا مصر، قلبت القيادة العربية تلك القواعد السابقة، خاصة أنهم لم يأتوا محتلين، بل فاتحين وناشرين لديانة مجدت في مصر بالقرآن والسنة، فأخذ المسلمون بحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيرا فإنهم خير أجناد الأرض، وهم في رباط إلى يوم الدين». منذ ذاك الحين عادت مصر، لتقود العالم الإسلامى نحو الفتوحات سواء غربا حتى المغرب العربى، أو شرقا وشمالا، وفى حروب مواجهة الصليبيين والتتار وغيرهم. كانت مصر دوما هي درع الأمة بجيشها العظيم وهم من حمل على عاتقه مواجهة العدوان الأوربى الذي سعى لنهب واحتلال الأراضى العربية، فقام رجال نجم الدين أيوب وشجرة الدر بالقضاء على حملة لويس التاسع على مصر، وفى العصر الحديث وبتولى محمد على مقاليد الحكم ولرغبته في بناء إمبراطورية مصرية، اعتمد بشكل أساسى على الجندى المصرى لينطلق بقيادة «إبراهيم باشا» لتحقيق أمن وحدود مصر الإستراتيجية ذاتها، من تركيا إلى الصومال جنوبا، ومن جزيرة رودس الإيطالية إلى بلاد الحجاز نحو اليمن، وهى الحملة التي قادها ابنه الثانى «طوسون»، فاجتمعت الدول الأوربية والقوى العالمية كلها ضد مصر، وكان شرطهم الأساسى تدمير قوة الجيش المصرى رمز القوة والوطنية المصرية. وهو ما تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية إليه الآن. وحتى عندما حاول الخديوى إسماعيل النهوض بمصر وجيشها كانت دول أوربا له بالمرصاد خاصة بعد ما اتجه بجيشه نحو حدود مصر الإستراتيجية افريقيًا وهى: الصومال، فأقصوه وأغرقوه وخليفته محمد توفيق في الديون والرقابة الثنائية والدولية.. وأخيرا الاحتلال البريطانى. وبعد النصر المبين في حرب أكتوبر 1973، احتل الجيش المصرى مرتبة متقدمة بين الجيوش العالمية، بما يملكه من عتاد متطور، وأسلحة وتقنيات متقدمة، كان آخرها صفقة الطائرات الفرنسية «رافال»، التي أزعجت أطرافا كثيرة ممن لا يريدون الخير لمصر. وحسب موقع «جلوبال فايرباور»، يحتل الجيش المصرى المرتبة السادسة عالميا من حيث عدد الدبابات، إذ لديه 4767 دبابة، كما أنه الثالث عالميا من حيث امتلاك المدرعات برصيد 19 ألف مدرعة. وبالنسبة للقوات البرية، فيمتلك الجيش المصرى نحو 470 ألف جندي، فضلا عن أكثر من 800 ألف جندى احتياط، كما يملك جيش مصر أيضا قوة مدفعية ونارية كبيرة، تتمثل في 1469 راجمة، إلى جانب أكثر من ثلاثة آلاف مدفع من نوعيات متعددة، وضعته في المرتبة الثالثة. وبالنسبة لسلاح الجو المصري، فهو الثامن عالميا، ب 1100 طائرة بينها 358 طائرة هجومية و343 طائرة اعتراضية و390 طائرة تدريب و249 طائرة نقل، فضلا عن عدة أنواع من المروحيات، وتمتلك مصر سابع أكبر قوة بحرية ب 237 قطعة ما بين غواصات وبوارج ومراكب دفاعية. ويحتل الجيش المصري، وفقا ل»جلوبال فايرباور» المرتبة ال 45 من حيث ميزانية الإنفاق العسكري حيث تبلغ ميزانيته 4.4 مليار دولار. وبسلاحه وعتاده وجنوده..سوف يبقى جيش مصر حامى حماها في الداخل والخارج..حمى الله مصر وجيشها وشعبها، وطهر أرضها من الإخوان والدواعش ومن اقتفى أثرهم، والتزم نهجهم.