إذا كانت مجلة «شارلى إيبدو» الفرنسية دأبت على الإساءة إلى النبى الكريم في الفترة الأخيرة، ولم تأبه بحالة الغضب التي تجتاح العالم الإسلامى، فإنها مجرد حالة استثنائية، لا يجب تعميمها على جميع المسيحيين، سواء في الغرب أو الشرق، لأن التاريخ لن ينسى شعراء مسيحيين امتدحوا نبى الإسلام بما لم يمتدحه به المسلمون أنفسهم، ورصدوا من سجاياه الكريمة ما دل على أنهم تعمقوا في القراءة عنه ودراسته دراسة دقيقة.. وفى التقرير التالى نتوقف قليلا عند أبرز الشعراء المسيحيين، شرقا وغربا، من الذين نظموا الشعر عن نبى الإسلام. في الفصل الأخيرالمعنون ب«في عالم الجمال»، من كتاب "مُحَمّد مُشْتَهَى الأُمَم" للكاتب محمد القوصي، رصد الكاتب 14شاعرًا مسيحياَ، مدحوا رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام، مبينا بحور الجمال الذي سعوا إليه عبر المديح النبوي. واللافت أن مدح المسيحيين والأقباط بشكل خاص للنبى الكريم خرج من مديح إيمانى مغلق يختص بالمسلمين إلى آفاق رمزية عالمية برعوا فيها حيث أكدوا أن نبى الإسلام مصلحا وقائدا، ورمزا عالميا، بحسب دراسة أعدها الدكتور خالد فهمي، أستاذ النقد والأدب بجامعة المنوفية. لماذا أتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ سؤال طرحه الشاعر جاك شماس؟ ثم أردف مجيبا:" إنه حديث من شغاف القلب، لا يأخذ منحنى آخر، سوى خدمة وطنى وعروبتي". ولتكن البداية مع الشاعر اللبنانى إلياس فرحات الذي عاش بين عامى 1893-1976، والذي يصرخ في مدحه للرسول من واقع الأمة العربية قائلا: يا رسول الله إنا أمة زجها التضليلُ في أعمق هوّة ذلك الجهل الذي حاربتَه لم يزل يظهر للشرق عتوّه ويتحدث الشاعر السورى إلياس قنصل، الذي عاش بين عامى 19141981 عن صفات نبى المسلمين قائلا: يقابل بالصبر الجميل ضغائنا تمادى بها وعد بسب ويثلب ويعفو عن الأسرى وكان وعيدهم بما في نواياهم من الثأر يلهب إذا جاءه الملهوف فهو له أخ وإن جاءه المحروم فهو له أب صفات نبى أحسن الله خلقه نفوس الورى من رفدها تتهذب فيما أثنى الشاعر السورى جاك شماس، المولود في عام 1947، على نبى الهدى وصحابته الكرام قائلا: إنى مسيحى أجل محمدا وأجلُّ ضادا مهدُه الإسلام وأجلُّ أصحاب الرسول وأهله حيث الصحابة صفوة ومقام أودعتُ روحى في هيام محمد دانت له الأعراب والأعجام ثم يضيف في موضع ثان: يممتُ طه المرسل الروحانى ويجل طه الشاعر النصراني يا خاتم الرسل الموشح بالهدى ورسول نبل شامخ البنيان مهما أساء الغرب في إيلامه لم يرق هون للنبى الباني وعلى النهج ذاته.. نظم الشاعر السورى جورج سلستي، الذي عاش بين عامى 1909 - 1968، قصيدة عنوانها "نجوى الرسول الأعظم"، قبيل وفاته، قال فيها: يا سيدى يا رسول الله معذرة إذا كبا فيك تبيانى وتعبيري ماذا أوفيك من حق وتكرمة وأنت تعلو على ظنى وتقديري ويطلب الشاعر السورى جورج صيدح الذي عاش في الفترة 1893 - 1978 من النبى محمد مددا ينقذ الأمة، متأثرا بآى القرآن الكريم، قائلا: يا صاحبى بأيّ آلاء النبى تكذبان؟ يا من سريت على البراق وجزت أشواط العنان آن الأوان لأنّ تجدد ليلة المعراج آن ويصف الشاعر اللبنانى حليم دموس المتوفى في عام 1957النبى الكريم بقوله: أمحمد والمجد بعض صفاته مجدتُ في تعليمك الأديانا إنّى مسيحى أحبّ محمدا وأراه في فلك العلا عُنوانا وفى قصيدته " عيد البرية" امتدح الشاعر اللبنانى رشيد سليم الخوري، النبى الكريم بقوله: عيد البرية عيد المولد النبوى في المشرقين له وفى المغربين دوي عبد النبى ابن عبد الله من طلعت شمس الهداية من قرانه العلوي بدا من القفر نورا للورى وهدى يا للتمدن عم الكون من بدوي ويقتفى الشاعر السورى عبد الله يوركى حلاق المتوفى عام 1996 أثر أقرانه، بقصيدته النونية التي ألقاها بدمشق قائلا: إنى مسيحى أجل محمدًا وأراه في سفر العلا عنوانا وأطأطئ الرأس الرفيع لذكر من صاغ الحديث وعلم القرآنا وفى قصيدة "عرب الحجاز.. تحية وسلام"، يصف الشاعر اللبنانى محبوب الخورى الشرتونى الذي عاش بين عامى 1885- 1931، محمدا بأنه "إمام العرب" حيث نظم قائلا: قالوا تحب العرب قلت أحبهم يقضى الجوار عليّ والأرحام قالوا لقد بخلوا عليك أجبتهم أهلي وإن بخلوا عليّ كرام قالوا الديانة قلت جيل زائل ويزول معه حزازة وخصام ومحمد بطل البرية كلها هو للعرب أجمعين إمام فيما وصفه الشاعر السورى وصفى قرنفلى الذي عاش بين عامى 1911 - 1978، ب"منقذ الشرق"، حيث قال عنه: أوليس الرسول منقذ هذا الشرق من ظلمة الهوى والهوان أفكنا لولا الرسول سوى العبدان بئست معيشة العبدان ويعارض الشاعر السورى ميخائيل خير الله ويردى المتوفى في العام 1945، قصيدة «نهج البُردة» لأمير الشعراء أحمد شوقى في مدح محمد صلى الله عليه وسلم قائلا: أنوار هادى الورى في كعبة الحرم فاضت على ذكر جيرانٍ بذى سلم يا أيّها المصطفى الميمون طالعه قد أطلع الله منك النور للظّلم صلى الإله على ذكراك ممتدحًا حتى تؤمّ صلاة البعث بالأمم ومن الشرق المسيحى إلى الغرب المسيحى، ففى ديوانه "الديوان الشرقى للشاعر الغربي"، يقول شاعر الألمان جوته: "إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبى محمد، وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد". ويقول الأديب الروسى "ليو تولستوي": "أنا واحد من المبهورين بالنبى محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضًا آخر الأنبياء، ويكفيه فخرًا أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام، وفتح لها طريق الرقى والمدينة"، فيما كتب الشاعر الفرنسى الشهير "لا مارتين": "أعظم حدث في حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود.. إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخرى الذي أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو محمد، لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق". كما كتب الفيلسوف الإنجليزى جورج برناردشو: "لقد درست محمدًا باعتباره رجلًا مدهشًا، فرأيته بعيدًا عن مخاصمة المسيح، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية، مضيفا "إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا إن محمدًا رسول المسلمين أعظم عظماء التاريخ، فقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم دينًا واضحًا قويًا، استطاع أن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم". فيما كتب المستشرق هيل في كتابه "حضارة العرب":"لقد أخرج محمد للوجود أمة، ومكن لعبادة الله في الأرض، ووضع أسس العدالة والمساواة الاجتماعية، وأحل النظام والتناسق والطاعة والعزة في أقوام لا تعرف غير الفوضى"، كما قال العلامة شيريل، عميد كلية الحقوق بفيينا:"إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها". فيما قال الشاعر الروسى الشهير "بوشكين" عن النبى الكريم قائلا: "شُقّ الصدر، ونُزع منه القلب، وغسلته الملائكة، ثم أُثبت مكانه.. قم أيها النبى وطف العالم، وأشعل النور في قلوب الناس".