اللون الواحد والشكل الواحد والرجل الواحد، كان هو عنوان مصر منذ أكثر من ثلاثين عاما، نشأت أجيال وأجيال وأخذت في استقبال الحياة ثم مغادرتها إلا أنها لم تعرف غير « الرجل الواحد » كان حسني مبارك هو رجل الحُكم الذي نشأت أجيال في ظل رئاسته حتى بات الكل لا يتصور أن يحكم مصر أحدا غيره، وظن الناس أن مصر ليس فيها من يصلح للرئاسة، فوقع في أفئدة الشعوب أن مصر أصيبت بعمى الألوان فأصبحت لا ترى إلا اللون الأسود، يا دين النبي محمد، وأين إذن باقي الألوان ، وباقي الرجال ، يبدو أنهم ذهبوا أدراج الرياح . وفي مصر أيضا وعلى مدار أربعين عاما لم نعرف رئيسا للكنيسة الأرثوذكسية غير نيافة البابا شنودة ، قدّم للكنيسة ولمصر الكثير وكانت له مآثره العديدة ، إلا أننا لم نعرف غيره ولم نر سواه فأصبح الرجل وكأنه هو الكنيسة نفسها وبدونه لا كنيسة، يا دين النبي محمد وأين إذن باقي الأساقفة ، لا ضير فهذا هو نظام الكنيسة ، لا يقوم بطرك جديد إلا إذا مات البطرك القديم ، وقد كان للأنبا شنودة حضوره وثقافته فترك أثرا كبيرا على الكنيسة وعلى شعبها، ولأننا كنا في زمن المسوخ التي تقبل أعتاب الحاكم فقد كان للمواقف المستقلة للبابا تقديرها من المسلمين قبل المسيحيين ، وهي مع كونها جيدة إلا أنها كانت عادية إلا أن الناس في عصر « المسخ » لم يتعودوا على رؤية رجل يقول ما يعتقده ويمارس قناعاته لذلك رأوا في مواقف البابا شنودة شموخا لم يتعودوه من المسوخ فكبرت هذه المواقف في ضمائرهم وكبر الرجل في وجدانهم، ولأن للرجل حضوره فقد كان كالقطب المغناطيسي اجتذب المسيحيين للكنيسة فخرجت عن أنها «بقعة روحية» تؤثر في المشاعر الدينية لهم وترتقي بها إلى دائرة السياسة والحكم والدنيا، كانت الكنيسة في عهد البابا شنودة حزبا سياسيا يضم المسيحيين الذين يقودهم رئيس الحزب « البابا » إلى دروب الدنيا والسياسة والمغالبة والموازنة والترجيح ، والآن آن لهذا الحزب أن يعود لرسالته الحقيقية تلك الرسالة الروحية التي قامت عليها الكنائس وفي المقدمة منها الكنيسة الأرثوذكسية ، والأرثوذكسية تعني الإيمان القويم والإيمان له دولته وهي غير دولة الدنيا، أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، آن لحزب الكنيسة أن يختفي لتحل محله كنيسة «الرسالة الروحية» وليعد المسيحيون إلى ما كانوا عليه في عصور مجيدة ، فليعد المسيحيون إلى رحابة الوطن ، يمارسون السياسة من خلال الأحزاب ويمارسون العمل التطوعي من خلال الجمعيات والنقابات ، مصر تنتظرهم على أحر من الجمر ، وقد أثبتت فاعليات الثورة أن المسيحيين أدركوا أن الوطن أكبر من الكنيسة ، مساحته أكثر رحابة ، ولكن هل هذه الأمنيات ستتحقق ؟ يقولون عني إنني من المتشائمين ، ولكنني أقرأ التاريخ ، وأرى أنه عندما يموت زعيم كبير صاحب تأثير عظيم غالبا ما يكون الزعيم الذي يأتي بعده حريصا على إثبات الذات ، ولذلك سنعيش دهرا في دائرة إثبات الذات ، لذلك أخشى ما أخشاه أن تزيد المطالب الطائفية وتتصاعد نغمة الاضطهاد وتكون الكنيسة الجديدة في ظل البابا الجديد الحزب الرسمي للمسيحيين لتزيد الفرقة والشرزمة ، خاصة أننا في مرحلة انعدام وزن ، والكل في هذه المرحلة يحاول أن يأخذ لنفسه ما يستطيع الحصول عليه ، ورغم أننا اكتشفنا ذات يوم أن الشعب المصري كله بمسلميه ومسيحييه كان مضطهدا ومغلوبا على أمره في عهد المأسوف على شبابه مبارك، إلا أنه يبدو من ظاهر ما تمر به مصر أن الشعار القادم هو « إن خرب بيت أبوك خذ منه قالب» ... ولكنني أطمع أن تسير الكنيسة بوطنية وتجرد على منهج « معتداال مارش»