سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عظمة القيادة وأخلاق النبي في الحروب.. الرسول أوصى بحقن الدماء حفاظًا على الأرواح.. أمر المسلمين بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم.. نهى عن التمثيل بجثث القتلى.. ودعا للحفاظ على العمران وتحريم «التخريب»
يعرف عن الحرب أنها ساحة للنزاع المسلح ومعركة بين طرفين يباح خلالها استخدام أقسى أنواع العنف والقتل والتعذيب من أجل تحقيق هدف واحد وهو الانتصار، وفى تاريخ المعارك الحربية قدم الكثير من قادة جيوش العالم أمثلة كثيرة على صدق مقولة "في الحرب كل الوسائل مباحة"، وعلى النقيض من ذلك، كان النبى محمد مثالًا عظيمًا في القيادة الحربية، فقد نجح في قيادة جيوش المسلمين لتحقيق أعظم الانتصارات، وقدم في نفس الوقت رسالة للعالم كله مفادها أن الحرب رحمة، نحاول الاقتراب أكثر من النبى العظيم والتعرف على أخلاقه في الحروب. حقن الدماء في تاريخ الحروب، ترفض الجيوش المنتصرة غالبًا أي اقتراحات بوقف القتال أو عدم الإسراف في سفك الدماء؛ لأنها تعتبر تقدمها فرصة لإجهاض أي محاولة لقيام عدوها من جديد، وأصبح متعارف على أن الضعيف فقط هو الذي يطلب السلام، ولكن النبى محمد لم يكن يفكر بمثل هذه الطريقة، وكان ينظر للحروب باعتبارها ضرورة اضطرارية، وكان حريصًا في الحروب على انتهاز الفرص لحقن دماء عدوه، وقدم من خلال الحروب التي خاضها مجموعة من المبادىء العظيمة التي تستحق أن تحتذى بها جيوش العالم وتدرسها منظمات حقوق الإنسان. المبدأ الأول أرسى النبى محمد مبدأ من أهم المبادىء الإنسانية في الحروب وينص على "أن من دخل الإسلام حتى أثناء الحرب لا يجوز قتله"، ومن أمثلة ذلك أن النبى أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنه قتله لرجل أثناء الحرب بعد أن قال: لا إله إلا الله، فورد في "صحيح مسلم"، "أن النبى بعث بعثاُ من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله وإن رجلًا من المسلمين قصد غفلته قال، أي الراوى،: وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله فقتله فجاء البشير إلى النبى فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال: لم قتلته؟ قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانًا وفلانًا وسمى له نفرًا وإنى حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله قال الرسول: أقتلته؟، قال: نعم، قال رسول الله: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟، قال: يارسول الله استغفر لى، قال رسول الله: وكيف تصنع بلا إله إلا الله؟ إذا جاءت يوم القيامة، قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟". المبدأ الثانى ومن المبادىء المهمة التي آمن بها النبى وأكد عليها في الحروب، "قبول فكرة إنهاء الحرب"، وكان النبى يستغل أقرب الفرص لإنهاء الحرب ووقف حالة القتال والنزاع، ومن أمثلة ذلك، ما حدث في غزوة خيبر فبعد أن ظهرت بشائر النصر للمسلمين، أعلن اليهود قبولهم للصلح مع النبى، ويقول "ابن كثير"، "فلما أيقنوا بالهلكة، وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يومًا نزل إليه ابن أبى الحقيق؛ فصالحه على حقن دمائهم ويسيرهم، ويخلون بين رسول الله وبين ما كان لهم من الأرض والأموال والصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، إلا ما كان على ظهر إنسان، يعنى: لباسهم، فقال الرسول: وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتم شيئًا، قالوا: نعم، فصالحوه على ذلك"، وبرغم كل التاريخ الأسود مع اليهود عامّة، ويهود خيبر بصفة خاصة، ورغم حرصهم على تجميع الأحزاب لإبادة المسلمين قبل أقل من سنتين من هذه المعركة، إلا أن النبى قبل الصلح حقنًا للدماء وتأكيدًا على عظمة رسالة الإسلام واحترامه لحقوق الإنسان. المبدأ الثالث ومن أعظم ما قدمه النبى محمد من رسائل في تاريخ المعارك والحروب، مبدأ "تحين الفرص لحفظ دماء من يقاتله"، ومن أمثلة ذلك ما فعله النبى في غزوة بدر عندما نهى عن قتل من خرج مستكرهًا من المشركين، رغم أن ذلك في ميدان القتال والحرب، والمتعرف عليه بين جميع البشر أن من يقاتلك تقاتله، ولكن النبى كان يأخذ بروح القاعدة وليس بنصها؛ لذا فهو قد يَأْسِرُ المستَكرَه لكي يتجنّب مُقاتلته ويُجَنِّبَه أيضًا، ولكن لا يقتله؛ إلا إذا أَصَرَّ على القتال؛ فقد جاء في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه قٌبَيلَ غزوة بدر: "إني قد عرفت أنَّ رجالًا من بنى هاشم وغيرهم قدْ أُخرِجوا كُرْهًا لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتُلْه، ومن لَقِيَ أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لَقِيَ العبَّاس بن عبد المطلب فلا يقتله؛ فإنما خرج مُسْتَكْرَهًا". المبدأ الرابع أوصى النبى بالحفاظ على العمران في كل مكان، ولم تكن حروبه حروب تخريبٍ كالحروب المعاصرة التي حرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يحرصون أشدّ الحرص على الحفاظ على العُمران في كل مكان، حتى في بلاد أعدائهم؛ فقد جاء في وصيّة الرسول صلى الله عليه وسلم لجيش مؤتة: "ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا". المبدأ الخامس وتتضح عظمة أخلاق النبى أيضًا في التعامل مع الأسرى فمن مواقفه الخالدة، ما فعله مع أسرى بدر، فقد أسر المسلمون بعد "بدر" من المشركين سبعين، وفيهم استشار رسول الله أصحابه في شأنهم، وماذا يفعل معهم؟ وهذا الأمر يرويه عمر بن الخطاب إذ يقول: قال أبو بكر: يا رسول الله، هؤلاء بنو العمِّ والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوةً لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عَضُدًا. فقال رسول الله: "مَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ؟" قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تُمَكِّنني من فلان -قريب لعمر- فاضرب عنقه، وتُمكِّن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكِّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه؛ حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوي الرسول ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ -أي عمر- وأخذ منهم الفداء.