قال تعالى «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» (39-الحج).. كانت هذه الآية المدنية بمثابة الإذن للرسول صلى الله عليه وسلم بالقتال ردا على الاعتداء والظلم والقتل الذى لحق بالمسلمين من الكفار والمشركين.. كان ذلك بعد أكثر من 12 سنة بعد بدء الوحى والرسالة النبوية الشريفة.. فهل حقا هذا دين سيف.. هل انتشر الإسلام بالسيف كما يزعم غير المسلمين؟ أولا: كيف يكون قد انتشر بالسيف وقد ظل النبى (صلى الله عليه وسلم) صابرا محتسبا كل الأذى من كفار مكة سنين طويلة ولم يرفع سيفا ولا رمحا.. هاجر إلى المدينة (صلى الله عليه وسلم) بعد البيعة من الأنصار بالنصرة والتأييد للرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) حينما وصل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة ظل شهورا (حوالى 24 شهرا) حتى جاءت غزوة بدر وهى الأولى من حيث الغزوات التى تم فيها قتال.. فهل هذا دين متعطش للدماء والقتل والسيف؟! ثانيا: كانت غزواته (صلى الله عليه وسلم) سبعا وعشرين غزوة وكان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله عز وجل وبمن معه من المسلمين خيرا كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى حديث سليمان بن بريدة: «اغزوا باسم الله فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا واحدا، فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: (1) ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. (2) وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوَا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم فى الغنيمة أو الفىء شىء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. (3) فإن هم أبوَا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله عز وجل وقاتلهم...»، وللحديث الشريف بقية، أخرجه مسلم (1731-2)، وأحمد فى المسند (358-5). واسمع إلى وعظ النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى أصحابه فى الحديث: «جاهدوا المشركين بألسنتكم وقلوبكم وأموالكم».. رواه أبوداود والدارمى وأحمد فى المسند والنسائى وغيرهم.. وفى سرية غالب الليثى التى أرسلها النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى منطقة نجد إلى قبيلة فى مكان يسمى الميفعة فقاتلوهم واستاقوا أنعاما غنيمة للمسلمين ولم يأسروا أحدا، وفى هذه السرية قتل أسامة بن زيد الرجل الذى قال لا اله إلا الله.. فظن أسامة أن الرجل يقولها فقط لكى لا يقتل.. فقال له الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لِمَ قتلته.. قال: يا رسول الله أوجع فى المسلمين.. وقتل فلانا وفلانا.. وسمى له نفرا.. وإنى حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا اله إلا الله. قال رسول الله (أقتلته؟) قال أسامه: نعم. قال الرسول (ص)(وكيف تصنع بلا اله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟) قال أسامه: يا رسول الله أستغفر لى , قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ (أخرجه مسلم فى صحيحه «97-160»).. نبى الرحمة (صلى الله عليه وسلم) ما كان يسعى إلى قتل أو دم بل كان أصعب شىء عنده قتل نفس، فقد قبل الصلح والهدنة مع كفار مكة بالرغم من أن شروطها كانت مجحفة بالمسلمين ولكن حقنا للدماء وافق عليها الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ولكن كفار مكة هم الذين غدروا ونقضوا الصلح والهدنة وقتلوا نفرا من المسلمين فأمر النبى (صلى الله عليه وسلم) بتجهيز الجيش لفتح مكة وهو الفتح الأكبر.. دخل النبى (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون على رأس جيش قوامه عشرة آلاف موحد وما إن وصلوا إلى أبواب مكة ودخلوها بلا قتال واجتمع النبى (صلى الله عليه وسلم) بأهل مكة وقال لهم «يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم؟».. قالوا: خيرا، أخ كريم وأبن أخ كريم.. . ثم قال (صلى الله عليه وسلم): «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (رواه أحمد فى المسند وأبوداود وغيرهما). هل هذا دين انتشر بالسيف؟ هؤلاء هم أهل مكة وأهل قريش الذين آذوا النبى (صلى الله عليه وسلم) فى مكة سنين طويلة قبل الهجرة وعذبوا ضعفاء المسلمين فى مكة طويلا.. قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.. بلا انتقام ولا تعذيب ولا حتى فدية.. لأن هذا الدين هو دين الرحمة وهذا النبى (صلى الله عليه وسلم) هو رحمة الله المهداة إلى العالمين.. قال تعالى «يَا أَيُّهَا النّبِىّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا» (الأحزاب -45، و46).. هو الرحمة والسراج المنير الذى يرسل شعاع النور إلى قلوب العباد فتتفتح للإسلام والتوحيد بعد الشرك، والنور بعد الظلام.. الفتوحات الإسلامية فى أقطار الأرض أظهرت أخلاق الإسلام حتى فى القتال.. انبهر أهل الأمصار جميعا فى زمن الفتوحات الإسلامية بأخلاق قادة الجيوش وأفراد الجيوش الذين تربوا فى مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم).. وتأثرت شعوب وأمصار شرق آسيا بأخلاق التجار المسلمين الذين كان عهدهم الصدق والأمانة فى البيع والشراء، وأسلمت هذه الشعوب بالقدوة الحسنة التى كان عليها التجار المسلمون متبعين فى ذلك هدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى حديث جابر (قال: رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى). رواه البخارى فى البيوع (2076).. الرسول (صلى الله عليه وسلم) حرم دماء وأموال وأعراض غير المسلمين الذين يعيشون فى الأقطار الإسلامية وجعل ذلك من مبادئ الإسلام العامة والرئيسية.. وقد أوصى الرسول (صلى الله عليه وسلم) خاصة لأهل وأقباط مصر خيرا فى حديث أبى ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما» (رواية الإمام مسلم فى فضائل الصحابة 227).. وفى رواية (ذمة وصهرا) رواية مسلم أيضا فى فضائل الصحابة (227)، والإمام أحمد فى المسند (174-5).. واقرأ معى حديث عمرو بن عبسة الذى قال فيه: دخلت على النبى (صلى الله عليه وسلم) بمكة -يعنى فى أول النبوة- فقلت له: ما أنت؟ قال: (نبى) فقلت: وما نبى؟ قال: «أرسلنى الله تعالى» فقلت: بأى شىء أرسلك؟ قال: أرسلنى بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شىء (أخرجه مسلم فى صفة المسافرين (294).. هذا النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يكن أبدا شعاره فى الحرب اقتلوا وقتلوا واذبحوا ولكنه قالها مدوية قبل بدء القتال فى أول غزوة فى الإسلام فيها قتال وهى غزوة بدر.. قال وأوصى الصحابة: «قاتلوا من يقاتلكم.. لا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ولا تقطعوا شجرة ولا تغدروا ولا تخونوا».. ميثاق شرف بشرى من أربعة عشر قرنا خلت من الزمان قبل أن يكون هناك عصبة الأمم ومجلس الأمن والأممالمتحدة وحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وهيئات المجتمع المدنى.. الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) أسس قواعد حقوق الإنسان بكل مراحله.. عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا» (حديث صحيح رواه أبوداود والترمذى).