خلال الأحداث الوطنية الكبرى.. تقل الجرائم الجنائية، وقد تختفى تماما مثلما حدث أثناء حرب أكتوبر المجيدة، وكأن الشعور بالانتماء للوطن لا يهيمن فقط على نفوس الشرفاء بل يمتد الى البلطجية والمسجلين خطر، فيمتنعون عن ارتكاب الجرائم فى تلك الفترات.. هذه الحقيقة تأكدت يومى الانتخابات الرئاسية المصرية، فلم يقع خلالهما سوى عدد محدود جدا من الجرائم.. أيضا فى أعقاب ثورة 25 يناير أعلن عدد كبير من المسجلين خطر والخارجين عن القانون توبتهم وندمهم على ما ارتكبوه من آثام، وعادوا بشرا شرفاء من جديد.. ومن بين هؤلاء «ماهر. ع» الذى احترف الإجرام واعتاد ترويع الآمنين لسنوات طويلة، وعندما اندلعت ثورة يناير، خرج مع المتظاهرين الى ميدان التحرير وهناك اعلن توبته.. محقق «فيتو» التقاه وتحدث معه عن رحلته مع الجريمة، وعن الأسباب التى دفعته للتوبة. بدأ ماهر حديثه معنا قائلا: « أنا لست مجرما بالفطرة، ولكن الظروف هى التى دفعتنى الى عالم الجريمة.. نشأت فى أسرة فقيرة ولم أنل أى قسط من التعليم.. فى صغرى عملت فى كل الحرف.. تارة صبى ميكانيكى او قهوجى، وتارة اخرى مساعد سايس جراج وغيرها من الحرف البسيطة.. وعندما بلغت الخامسة عشرة من عمرى، توفى والدى وترك لى عبء الإنفاق على والدتى المسنة وأشقائى الصغار.. عملت سائقا على ميكروباص لنحو 4 سنوات، وذات يوم تعرفت على فتاة وأحببتها من كل قلبى.. تقدمت لخطبتها رغم فقرى الشديد، وفوجئت بوالدها يقبل بى زوجا لها ووعدنى بأنه سيقف بجانبى.. تم الزواج بسرعة كبيرة وظننت أن الأيام ستضحك لى بعد طول عبوسها». توقف عن الحديث للحظات وكأنه يتذكر واقعا أليما ثم استطرد: « بعد الزواج اكتشفت أن والد زوجتى زعيم عصابة لسرقة السيارات، ويوما بعد يوم وجدت نفسى عضوا فى هذه العصابة.. فى البداية كنت أسرق أجزاء السيارات مثل الكاوتش والمرايات والكاسيت، ثم تطور الأمر لسرقة السيارات كاملة بالإكراه او بالمفتاح المصطنع.. انخرطت فى عالم الجريمة واحترفت ترويج المخدرات والسرقة بالإكراه، وكلما تدفقت على َ الأموال، كلما ازددت إقبالا على الجريمة.. سقطت فى يد الشرطة عشرات المرات وصدرت ضدى أحكام بالسجن فى قضايا مختلفة.. بعد فترة سئمت هذه الحياة وبدأت أفكر فى التوبة وعرضت الأمر على زوجتى، فرفضت بشدة وأخبرت والدها الذى لفق لى جريمة سرقة ودخلت بسببها السجن مرة أخرى. عاد ماهر إلى صمته القليل ثم استطرد: « أثناء وجودى فى السجن هذه المرة اندلعت ثورة 25 يناير، وهربت من السجن مع من هربوا، وبعد خلع مبارك وهدوء الأوضاع نسبيا سلمت نفسى للشرطة، وأكدت التحريات برائتى وتم إخلاء سبيلى.. فى هذا اليوم شعرت بأننى إنسان جديد.. بكيت بشدة وندمت على السنوات التى ضيعتها فى عالم الجريمة.. توجهت إلى مسجد عمر مكرم بميدان التحرير وصليت كثيرا وانهمرت دموعى غزيرة.. خرجت الى الميدان فوجدت شبابا مرابضين وكلهم إصرار على إصلاح حال البلد.. شعرت بالخزى والعار، وقلت فى نفسى إننى لست أٌقل وطنية من هؤلاء.. لم أشعر بنفسى إلا وأنا أقف فى الميدان وأعلن توبتى وطلاق زوجتى التى كانت سببا فى دخولى عالم الجريمة». قاطعه المحقق متساءلا: « هل شاركت فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟».. أجاب: « لم أشارك بسبب إصابتى بكسر شديد فى ساقى يحتاج الى شرائح ومسامير، ولكننى شاركت فى الانتخابات البرلمانية، وأعطيت صوتى للإخوان ظنا منى أنهم سيصلحون حال البلد، وسيساعدون «الغلابة» أمثالى، إلا أننى كنت واهما.. فلم يقدم الإخوان شيئا للناس وانشغلوا بقضايا فرعية ومصالحهم الخاصة فقط.. وانا شخصيا بعد نجاح المرشح الذى انتخبته ذهبت إليه ليساعدنى فى الحصول على وظيفة شريفة أو استخراج رخصة قيادة مهنية، ولكنه تجاهلنى ورفض مساعدتى.. وأتمنى ألا يصل مرشح الإخوان لكرسى الحكم لأنهم لن يقدموا للبلد أى شيء، وسيدخلونها الى نفق مظلم». قبل أن ينهى التائب حديثه مع المحقق أشار إلى أنه تاب عن الجريمة، ورغم ذلك تلاحقه قضايا نفقة أطفاله الصغار وأصبح مهددا بالسجن مرة أخرى، ورغم ذلك يرفض العودة الى طريق الجريمة ويفضل الموت على ذلك، وقد حاول بالفعل الانتحار هربا من أعبائه المادية.