فى تاريخ الأمم والشعوب ، رجال لا يطويهم النسيان ، ولا تتجاهلهم الذاكرة ، مهما تقادمت السنون ، وذلك لعظيم ما قدموه من تضحيات صادقة ،وبطولات حقيقية. والفريق أول "عبد المنعم رياض"، هو واحد من هؤلاء الأبطال الأفذاذ، الذين افتدوا هذا الوطن بأرواحهم، فظلت سيرته باقية ، وصارت يوما للشهيد، تحتفل به مصر فى التاسع من مارس ، من كل عام . ولأنه كان قائدا ، بما تعنيه الكلمة ، فقد كانت له وجهة نظر في القادة ، مفادها : أنهم يُصنعون ولا يولدون، فكان يردد دائما : «لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائدا هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلا، ولكن العسكريين يُصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة». كان الشهيد عبد المنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل، ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصرا عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة ، وكان يؤمن بأنه «إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه». استشهد عبد المنعم رياض،فى التاسع من مارس عام 1969 على الجبهة ، بعد 32 عاما قضاها عاملا في الجيش .. وقد نعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومنحه رتبة «الفريق أول»، ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر.ففي صبيحة يوم الأحد 9 مارس 1969 قرر الفريق أول عبد المنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة، ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً والتي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 ،وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق، ليشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الجنرال الذهبى ، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفي متأثرا بجراحه. وقد نعاه عبد الناصر بقوله : "فقدت الجمهورية العربية المتحدة جندياً من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة؛ وهو الفريق عبد المنعم رياض، رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة.. إننى أنعى للأمة العربية رجلاً كانت له همة الأبطال، تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته.. إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبد المنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن، راضية مؤمنة واثقة أن طريق النصرهو طريق التضحيات.. ولقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبد المنعم رياض حياته للفداء وللواجب فى يوم مجيد، استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له، لقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة، ومن حوله جنود من رجال وطنه, يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون؛ من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية، والتقى عليه تصميمها، قسماً على التحرير كاملاً وعهداً بالنصرعزيزاً, مهما يكن الثمن، ومهما غلت التضحيات." أما الشاعر الثورى نزار قبانى فأنشد قائلا فى ذكراه: "لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ ، لو مدمنو الكلامِ في بلادنا ،قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ ،لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ ،لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ ،ولا استُبيحتْ تغلبٌ ،وانكسرَ المناذرهْ...لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ ،لكنَّ من عرفتهمْ..ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ..يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ ،ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ،وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ..وبعضهمْ..يغصُّ في بترولهِ..وبعضهمْ..قد أغلقَ البابَ على حريمهِ..ومنتهى نضالهِ..جاريةٌ في التختْ.. يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ، الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..أنتَ بها بدأتْ..يا أيّها الغارقُ في دمائهِ،جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ،جميعهم قد هُزموا..ووحدكَ انتصرتْ."