لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائدا هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلا ، ولكن العسكريين يصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة. إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم، والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار. هذه الكلمات هى لاعظم الشهداء فى تاريخ مصر المعاصر الفريق عبد المنعم رياض , الذى قرر ان يشارك جنوده فى تنفيذ خطه تدمير مواقع خط بارليف خلال حرب الاستنزاف ,فقد كان ايمانه أن القائد ليس أقل من أي جندي يدافع عن الجبهة , وأنه لابد أن يكون بينهم في كل لحظة من لحظات البطولة , وكان شعاره ,اذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة.. إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية . وعندما تقرر ان يكون يوم السبت 8 مارس 1969 موعداً لبدء تنفيذ الخطة، انطلقت نيران المصريين على طول الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمر جزءا من مواقع خط بارليف , وتسكت بعض مواقع مدفعيته , في أعنف اشتباكات شهدتها الجبهة قبل معارك 1973. وفي صبيحة اليوم التالي 9 مارس قرر عبد المنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليتابع نتائج معارك الامس , ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً, و لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، واختار الموقع رقم 6 تقديرا لجنوده فقد كان أول من فتح نيرانه بكثافه على دشم العدو في اليوم السابق. ولكن القدر شاء ان يشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبد المنعم رياض، عندما انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده, فاستشهد بعد معركه استمرت ساعه ونصف . ولانه أحد الذين يملكون القدره على اتخاذ القرار فى الوقت المناسب , فقد نجح فى تحطيم نظريه عسكريه ظلت ثابته فى الفكر الاستراتيجى , حيث كان العسكريين يؤمنون بأنه لا يمكن مواجهة دبابة إلا بدبابة، ولكنه كان صاحب إضافة جديدة في حرب المدرعات منذ عام 1968 وهى ان جندى المشاه بامكانه مواجهه دبابه , وجرى التدريب علي نظريته فى سرية شديدة , ليسجل باسم مصر فصلا جديدا فى سجل الحروب , ولتتحول دبابات العدو فى سيناء فى حرب 1973 الى أفاعى تلتهمها صواريح محموله على اكتاف جنود بسطاء كمحمد المصري الذي دمر 27 دبابة وعبد العاطي عبد الله الذي دمر 26 فاذهلوا العالم . فى يوم الشهيد لا يمكنك ان تنسي كلماته التى ستظل دستورا لمن يريدون النجاح : أن تبين أوجه النقص لديك تلك هي الأمانة ،وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك، تلك هي المهارة. هذا هو عبد المنعم رياض وهذه هى قصه شهادته باختصار , ولهذا نتذكره ونحتفل ببطولته كرمز للتضحيه والفداء . ولكن يبقي الامر الذى يثير الدهشه والاستغراب حيث يشاء القدر ان يقف تمثاله بعد موته فى قلب ميدان التحرير , وأن ترفرف روحه الطاهره على احفاده , بعد اكثر من 40 عاما فالقاده مكانهم بين الجنود , هكذا قال وهكذا فعل , حنى بعد استشهاده . بقي مما قاله وما زلنا فى انتظاره ,أن القائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب , وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار. وهكذا نعاه الشاعر نزار قبانى عندما كان لشهدائنا شعراء يمجدون بطولاتهم لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ.. لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ لو مدمنو الكلامِ في بلادنا قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ.. واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ ولا استُبيحتْ تغلبٌ وانكسرَ المناذرهْ… لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ لكنَّ من عرفتهمْ.. ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ.. يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ.. وبعضهمْ.. يغصُّ في بترولهِ.. وبعضهمْ.. قد أغلقَ البابَ على حريمهِ.. ومنتهى نضالهِ.. جاريةٌ في التختْ.. يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا.. أنتَ بها بدأتْ.. يا أيّها الغارقُ في دمائهِ جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ جميعهم قد هُزموا.. ووحدكَ انتصرتْ