ما أقسى أن تكون مريضا وملفوظا من المجتمع فى آن واحد.. تعيش خائفا ومرعوبا من سقوط أطراف جسمك، الواحد تلو الآخر، وبرغم ذلك لا يسأل أحد فيك، وتتجاهلك حكومتك، وإن ساعدك أحد تراه يساعدك فى شهر رمضان فقط من كل عام، بمنطق البر والإحسان، وليس بمنطق أنك مواطن تستحق حقوق المواطنة. . أنهم مرضى الجذام.. أحد أخطر وأشرس الأمراض.. المنسيون والمعذبون فى الأرض فى آن واحد، عالم ملىء بالأسرار وبالقصص، والحكايات، والطموحات، والآلام، «فيتو» أخترقت مستعمرة الجذام ورصدت حياة المرضى هناك والذين يعيشون أحياء بين يدى عرزائيل وينتظرهم الموت فى أي وقت الحياة داخل مستعمرة الجذام لها ألف شكل ولون.. فكل مريض له حكاية وقصة ... بدأنا جولتنا فى المستعمرة لنتعرف على فصول من تلك القصص التى تبدو متشابكة على أختلافها واختلاف أبطالها. عم محمود على محمد دليلنا فى رحلتنا داخل مستعمرة الجذام.. رغم كبر سنه إلا أنك تشعر أنه أصغر منا وأنشط منا.. لم يتوان فى الذهاب معنا يمينا ويسارا دون كلل أو ملل.. يحمل داخله آلام وأحلام كل فرد من أبناء المستعمرة.. يعرف الكبير والصغير والجميع يعرفه.. هو الآن ف-ى السادسة والخمسين من عمره، وجاء من أسيوط لينضم لأسرة المستعمرة عام 98.. تزوج وهو فى المستشفى من ابنة خاله وهى ليست مريضة وجاءت لتعيش معه فى العزبة. وجه ملائكى لكن يعلوه الحزن.. كان يجرى ويلعب غير مدرك لما يخبئه له القدر.. إنه الطفل سيد جمعة محمد 41 عاما يقول سيد: لا يوجد أحد هنا من أهلى ووالدى يزورنى كل أسبوع لكنى لا أشعر بالغربة فالجميع هنا يعتبروننى ابنهم ويعاملوننى بلطف.. ولم أحزن عندما عرفت بمرضى فأنا أصوم وأصلى وأدعو الله أن يشفينى.. وأنا راضى عن حياتى ولا ينقصنى شىء. أشرف يونس حسين شاب ملئ بالحيوية لكنه ناقم على الوضع الذى يعيش فيه.. جاء من بنى سويف منذ 02 عاما بعد إصابته بالجذام وهو طفل، ويعمل فى المزرعة التابعة للمستعمرة ليأخذ سبعة جنيهات فى اليوم.. نزل ميدان التحرير أثناء الثورة اكتسب قلبه جرأة وانطلق لسانه يطالب بحقه. يقول أشرف: عندى الآن 43سنة وجئت من بنى سويف بعد إصابتى بالمرض.. وتزوجت إحدى المريضات بالمستشفى وبنيت بيتا فى عزبة الصفيح كى نعيش فيه وسط باقى المرضى .. فأهلنا لا يزورونا وإن لم نذهب نحن لزيارتهم لا يسألون فينا.. فأنا أنزل البلد فى المناسبات فقط إذا كان هناك فرح أو مأتم. مؤكدا أنهم يعانون من الاستغلال فى المزرعة حيث يعملون ب 7 جنيهات فى اليوم ويواجههون مشكلة وهى أن الحكومة تريد هدم بيوتهم ولسان حاله يقول «الرحمة بنا» كان سعد محمد شاب من الفيوم يذكر يوم دخوله المستعمرة أول مرة فى 6/6/5002.. وقتها لم يكن يعرف أنه مريض بالجذام ولكن الطبيب ضغط بشدة على أطراف أصابعه وأكد إصابته بالمرض.. لايفكر سعد فى الزواج ولا الخطوبة فهو كما يؤكد على قد حاله.. فهو يحصل على معاش السادات 021جنيها شهريا ولهذا يرى سعد أن البلد عاملة معه اللى عليها وزيادة.. يقول سعد: المرضى فى المستعمرة محترمون واعتبرهم مثل أهلى.. والحمد لله أواظب على الصلاة وأصلى الفجر حاضر كل يوم ونفسى ربنا يشفينى. رجل راض بقضاء الله فهو لم يحزن ولم يعترض عندما عرف اصابته بالجذام لكنه شكر الله ودعاه بالشفاء إنه محمد ثابت 04 عاما من سوهاج يقول: حضرت للمستعمرة وتزوجت إحدى المريضات.. حيث سافرت لأهلها البلد وطلبت يدها ووافقوا فتزوجنا.. لقد كنت قبل المرض أعمل بالفأس فى الأرض وأقول يا أرض اتهدى ما عليكى قدى.. والحمد لله على كل شىء. والبعض يتخوف من ملامستنا ولا يعرف أن المرض غير معدى. اسمه أحمد محمد حسن البرماوى 37عاما، من قرية دبركى مركز منوف، أقدم مريض بالمستعمرة ويلقب بشاعر المستعمرة كان يعمل فى الزراعة قبل حضوره لها ثم عمل فرارجى ولكن بعد إصابته بالجذام تم بتر رجله اليمنى ومع ذلك لم ييأس فعمل تباعا على عربات النقل.. لكن إرادة الله فوق كل شىء فقد تم بتر رجله اليسرى منذ عامين فأصبح قعيدا لا يستطيع الحركة إلا من خلال الكرسى المتحرك. عم أحمد : عاشق لكرة القدم فهو زملكاوى قديم وأيضا يكتب الأشعار والخواطر فطلبنا منه فى نهاية حديثنا سماع مطلع لإحدى قصائده الشعرية فقال: سيجارة وكأس وأنا والليل وطيف سهران مسهرنى، تبات الناس فى حلم جميل وأنا حيران ومستنى.. مين؟ ثلاثة ما هما خمسة، ثلاثة والهوا الرابع وليل الهجر خامسنا، حكينا وأدى القمر سامع وشاف الصلح مجلسنا. «ماما صابحة» التقينا بماما صابحة فى مبنى النساء ووجدنا كم لعب المرض لعبته فى ملامحها بعد أن أفقدها أصابعها وأثر على عينها.. قالت: خمسون عاما أو أكثر قضيتها بين أهلى فى المستعمرة .. لم أخرج منها إلا بعد وفاة والدى.. نزلت للبلد ولكنى لم أجد ترحابا فرجعت مرة أخرى.. زمان كانت الحياة فى المستعمرة قاسية فكنا نأكل عيش حاف ببصلة ولكن اليوم الحمد لله المتبرعون يهتمون بنا ونعيش عيشة حلوة. أنهت صابحة كلامها معنا بسؤال لم نستطع الاجابة عليه: هل يعرف د. كمال الجنزورى رئيس الوزراء أى شىء عن مرضى الجذام أو سمع عنهم.. وابتسمت ابتسامة يأس وقالت: نفسى الأجيال الجديدة تعيش حياتها فى سعادة. «الصغيرتان» سماح طفلة من سوهاج عمرها 61عاما مصابة بالمرض قالت: اسمى سماح عبدالحميد 61عاما، أتلقى علاجى فى عنبر السيدات منذ ثلاث سنوات، بعد أن أتى بى والدها إلى المستشفى بعد اكتشافه إصابتها بالجذام.. بعدما ساءت حالتها فى المرحلة الابتدائية. تقول سماح: كنت ألعب مع أصحابى كل يوم فى المدرسة الأزهرية وفجأة وجدت بعض الجروح التى تظهر فى جسمى وأنا وقتها لم أكن أعلم معنى الجرح أو المرض.. ولكن الحمد لله شفيت من جروحى واستكمل باقى علاجى هنا داخل المستشفى. لم تبح سماح بكل ما يدور داخلها ولكن عينيها تحدثتا أكثر منها ليعبرا عن إحساسها بالألم والمعاناة من الإصابة بالمرض.. كانت ترغب فى أن تصبح طبيبة تعالج المرضى ولكن أنهت الكلام قائلة : ما فيش نصيب أما أسماء ابنة الثمانى سنوات فكانت صامتة طوال الوقت ونحن نتحدث مع سماح.. كتب عليها المرض أن تجالس من يكبرونها بعشرات السنين لتشعر معه بالشيخوخة قبل الأوان وكل ما تحلم به هو الذهاب للمدرسة لأن لديها أمنية كبيرة فى أن تصبح طبيبة.