قبل ساعات قليلة من انطلاق التصويت فى أول انتخابات رئاسية فى مصر بعد ثورة 25 يناير.. انشغلت التيارات السياسية المختلفة بالمرشح الذى سيختارونه لهذا المنصب الرفيع، وانشغل المرشحون بكيفية إدارة المعركة من داخل غرف عمليات خاصة.. وبعيدا عن هؤلاء وهؤلاء بدأت فئة أخرى من المصريين الاستعداد للاستفادة من هذا الحدث ولكن على طريقتها الخاصة.. هذه الفئة هم «هتيفة الانتخابات» الذين لا يعنيهم من ينجح أو من يخفق.. المهم هو تحقيق أكبر مكاسب مادية حتى لو دخلوا فى معارك طاحنة مع خصومهم أو التعرض للسجن..«فيتو» خاضت مغامرة مثيرة داخل إمبراطورية الهتيفة، واستمعت لمعلومات وتفاصيل غاية فى الإثارة من نساء ورجال عملهم الأساسى هو مناصرة مرشح ضد آخر، وحشد الأصوات له مقابل المال.. توجهنا الى عزبة خير الله بمنطقة دار السلام وتظاهرنا بأننا ضمن حملة أحد المرشحين فى الانتخابات الرئاسية، ونبحث عن هتيفة لمؤازرته فى الانتخابات مقابل المال.. أرشدنا الأهالى على عدد من الأشخاص بينهم سيدة قالوا إنهم المتحكمون فى سوق الهتيفة بالمنطقة، فكانت لنا معهم هذه اللقاءات. «يوم الانتخابات هو يوم عيد بالنسبة لنا.. والانتخابات الرئاسية هى العيد الكبير».. بهذه الكلمات بدأت «أم الخير.م.ا» كبيرة الهتيفة فى عزبة خير الله بمنطقة دار السلام حديثها معنا بعد ان اطمأنت لنا واستطردت: «منذ 20 عاما وأنا اعمل فى هذا المجال وعندما كبرت ابنتى «كريمة» بدأت هى الأخرى العمل معى بعد ان تعلمت أصول «الصنعة».. فى البداية كنت أخرج يوم الانتخابات وسط جمع كبير من النسوة دون اتفاق مسبق مع أى مرشح، وفى اللجان الكبيرة نزغرد ونصفق ونهتف باسم مرشح معين، بهدف لفت الأنظار لنا.. بعد دقائق يتجمع حولنا عدد من انصار مرشح منافس ويعرض علينا المال مقابل الانصراف أو الهتاف باسم مرشحه.. مع الوقت ذاعت شهرتنا وبدأ المرشحون يحضرون إلينا بأنفسهم فى موسم الانتخابات للاتفاق معنا على كيفية إدارة يوم الاقتراع وعدد النسوة المطلوب فى كل لجنة، والمبلغ المالى الذى ستحصل عليه كل واحدة منا». سألناه عن عدد النسوة التى يمكن ان يشاركن معها فى دعم ومناصرة مرشحنا فأجابت: «أى عدد تطلبونه استطيع توفيره ولو كان 400 سيدة، حسب مقدرتكم المادية.. فالواحدة تتقاضى مبلغا يتراوح بين 100، و150 جنيها فى اليوم».. قاطعناها: «وماذا ستفعل مقابل هذا المبلغ؟».. ضحكت أم الخير وهى تجيب: «كل ما يخطر على بالكم يمكن ان نفعله بداية من إقامة زفة للمرشح، وحشد أكبر عدد من الأصوات لتأييده، وحتى افتعال المشاجرات والدخول فى معارك مع أنصار المرشحين المنافسين، وقد يصل الأمر إلى تحطيم صناديق الانتخابات فى حالة التأكد من انه لم يحصل على أغلبية الأصوات فى اللجنة.. هذه الأفعال بسيطة بالنسبة للسيدات، فمن المستحيل أن يعتدى الرجال علينا بالضرب، وحتى لو حدث فإننا من السهل جدا تلفيق قضايا تحرش لهم وتكون فضيحة مدوية لهم ولمرشحهم، وسبق أن اتهمنا قاضيا بالتحرش بنا داخل لجنة الانتخابات». تظاهرنا بالقلق من كلامها واستفسرنا: «إذا وصل الأمر للشرطة.. ماذا ستقولون فى المحاضر؟».. ضحكت بصوت مرتفع وقالت: «لا تقلقوا.. احنا ستات صحيح بس جدعان.. فى المحاضر لن نذكر اسم مرشحكم أبدا مهما كانت الظروف، فالاتفاق يتضمن تحملنا مسئولية ما يحدث من مشاكل أو مشاجرات، وفى أقسام الشرطة لنا علاقات واسعة مع الضباط، وعادة ما نخرج من القضايا بسهولة».. استدركت أم الخير: «على فكرة.. نحن مع من يدفع أكثر، فلو جاءنا مرشح غير مرشحكم وعرض مبلغا أكبر، فلن نتردد فى الاتفاق معه.. نحن لا نعرف السياسة ولا نفهم فيها، ولا فرق عندنا بين مرشح وآخر سوى بقدرته على دفع المال أو الحصول من ورائه على أكبر فائدة مادية.. والانتخابات الرئاسية فرصة ذهبية لنا ولن ندعها تمر مرور الكرام.. حتى لو لم يتفق معنا احد سنذهب إلى لجان الانتخابات ونفتعل أى مشاكل أو مشاجرات.. المهم أن نخرج منها بأكبر قدر من الاستفادة». قبل ان نتركها سألنا زعيمة الهتيفة عن العروض التى تلقتها قبلنا فأجابت بحسرة: «منذ فترة حضر الينا مجموعة من أنصار حازم صلاح أبو اسماعيل واتفقوا معنا على 500 جنيه لكل واحدة فى اليوم، ولكن تم استبعاده من سباق الرئاسة وخسرنا مبلغا ضخما كان مضمونا، ولكننا سنعوضه مهما كان الثمن». تركنا أم الخير على وعد باتصال قريب للاتفاق على كل شيء، وواصلنا جولتنا فى عزبة خير الله بحثا عن هتيفة الانتخابات من الرجال.. التقينا بأحدهم ويدعى «عبد الرحمن» -30 سنة- وقدمنا له أنفسنا على اعتبار أننا من حملة دعم الفريق احمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية، وطلبنا مساعدته فى حشد أكبر عدد من الأصوات له فقال: «الانتخابات دى لعبتى.. وبعون الله استطيع جمع عدد لا حصر له من الأصوات.. المهم الفلوس.. وأنا مع الجنيه الزيادة.. الصوت ب«150» جنيها على الأقل بخلاف 10 جنيهات عمولتى على «الراس».. سألناه عن طلباته فقال: « بالنسبة للصوت للمرشح الذى تتحدثون عنه لن نقبل بأقل من 200 جنيه، ومطلوب منكم توفير عدد كبير من البوسترات والصور، ومبلغ مالى لتأجير حوالى 50 أتوبيسا وسيارة ميكروباص لنقل الناس إلى اللجان، فضلا عن كل المبلغ المتفق عليه، لأن الناخب سيحصل على 100 جنيه قبل نزوله من الأتوبيس، و100 بعد الإدلاء بصوته، أيضا مطلوب جهاز كمبيوتر متصل بالانترنت لتحديد اللجان تسهيلا على الناخبين». وأكد عبد الرحمن أنه ضامن لكل من يتفق معه، ولا يجرؤ أحد على مخالفة كلامه. التقينا بشخص آخر يدعى «محمود.ك» وعرضنا عليه الأمر فقال إنه مستعد لتوفير آلاف الأصوات، المهم ان يحصل على أمواله مقدما، وشدد على أنه قادر على الدخول فى مشاجرات مع أى شخص من أنصار المرشح الذى سيدعمه، وطلب أيضا عددا كبيرا من الأتوبيسات لنقل الناخبين إلى اللجان.. أما زميله «محمد.د» فأكد انه من «مسيطرى» منطقة دار السلام كاملة، وعلى استعداد تام لحشد آلاف الأصوات مقابل المال.. وأضاف «مستعدون للدخول فى معارك ومشاكل مع اى شخص مهما كان من اجل المرشح الذى سنتفق معه.. المهم المال».