ثارت مخاوف أهل الحارة من ظهور بعض أعضاء حزب النور في الحارة، يدخلون البيوت ويتزاورون مع الفقراء ويقدمون لهم بعض العطايا.. وقد ظهر لنا أن ظهورهم قد ارتبط باقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، فكان أن تحدث معى عم مغاورى في هذا الأمر وطلب منى أن نشكل فريقا للبحث والتحرى عن هؤلاء السلفيين، وعلى رأى المثل من خاف سلم، والجبن هو سيد الأخلاق، فمنذ أن انتهينا من جماعة الإخوان وحمدنا الله على أنهم ذهبوا في ستين داهية، إذا بالسلفيين الأشاوس يظهرون بلحاهم ولافتاتهم التي تتحدث عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وزاد وغطَّى أن مجموعة حزب النور هذه استأجرت شقة في الحارة ووضعوا عليها لافتة كتبوا فيها "جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" وعندما سألنى عم مغاورى ومعه مجموعة من أهل الحارة عن معنى الأمر بالمعروف قلت لهم: يعنى أن نقول لهؤلاء اعملوا "معروف" واتركونا في حالنا، ولكن هل يصل لهم صوتي؟! ليس يهم، فقد هدانى عقلى إلى حيلة تجعلنى أتغلب عليهم، المسألة بسيطة جدا، بدلا من أن أخاف من جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فلماذا لا أصبح أنا رئيس جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، المسألة جد بسيطة، ليس فيها كيمياء ولا يحزنون، لذلك فإننى اتفقت مع عم مغاورى صاحب الحانة على خطة محكمة، فأطلقت لحيتى وأمسكت في يدى عصا، والعصا لمن عصى، كانت أول أعمالى تمثل مفاجأة لأهل حارة درب المهابيل، إذ خرجت لهم وأنا أتوكأ على عصاى ورفعت عقيرتى بالصياح قائلا: يا أهل الحارة اللئام، أتاكم الليث ليجعلكم على الصراط، أحذركم أن تدخلوا الحانة في أي وقت من نهار أو ليل، فصاح أحد المتجمعين حولى من أهل الحارة: ولم يا أخ أبو يكح ؟ قلت بصوت غليظ: لأن الحانة تبيع المنكر، وأنا رجل النهى عن المنكر. قال الرجل الزنديق: ولكنك وحتى أمس كنت تشرب معنا المنكر فما الذي حدث؟ وحين ظن الرجل الزنديق أنه أفحمنى لوحت له بالعصا وأنا أقول: ربنا هدانى يا أخي، حد يقدر يعترض ! فإذا بآخر شنقيط سميدع يبدو عليه الفجور يقول لي: ربنا هداك، هنيئا لك، ولكن موعد هدايتى أنا لم يأت بعد، شاء الله ذلك، هل ستعترض على مشيئته؟! ثم خرج عليَّ من وسط الزحام شيخ الزاوية التي نصلى فيها لكى يقول: يا أخي، خليك في حالك، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. كدت أن أنهزم أمام هذا الجمع، ولكن ولله الحمد وجدت أحد الإخوة الملتحين من حزب النور الذين هم آخر طبعة من السلفيين يخرج من وسط الجمع لينضم لي، وتبعه آخر ثم آخر ثم آخر، حتى أصبحنا مجموعة، كان أحدنا يمسك سكينا والآخر يمسك عصا والثالث يمسك "كاتر" فإذا بالجمع يتفرق من حولنا ومن ثم أصبحنا جماعة كاملة شاملة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. عقدنا اجتماعا عاجلا وقلت للإخوة السلفيين: قولوا لى عن ماذا ننهى وبماذا نأمر؟ قال أحد الإخوة من قيادات حزب النور وهو يتحسس كرشه: نأمر بلحم خروف، وننهى عن السكر. قلت له: وهل الخروف من المعروف. قال: فيه سبع فوائد، نشرب مرقته، ونأكل لحمه، ونمصمص عظامه، فنسد جوعنا، ونشد حيلنا للجهاد في سبيل الله، ونصنع من فروته بساطا لنا، ومن قرونه سلاحا لجهادنا، ومن ليته سمنا لطبيخنا. رد عليه الأخ الثانى بصوت بطيء عيى وهو يشرب من زجاجة لا نعرف كنه ما فيها: والله يا أخ أنت "شاطر" جدا، لذلك سأتخذك صاحبا "ليَّه" لكن إحنا كده هانقعد نقطع في "فروة" أبو يكح. فإذا بالأخ صاحب اللحية الطويلة يقول: إنكم تفعلون مثل "القرون" الأولى، هكذا يكون الأمر بالمعروف وإلا فلا. سألتهم: ولماذا النهى عن السكر. قال الأخ صاحب الكرش: السكر يدل على النعومة ونحن نريد أن نحيا حياة خشنة، بلا ميوعة أو مياصة. صاح الأخ صاحب اللحية الطويلة: فلنبدأ عملنا، وهنا انطلق الجمع الذي معى وهو يصيح في أهل الحارة صيحة عادل إمام في الإرهاب والكباب: الكباب الكباب لنخلى عيشتكوا هباب. وصاح أحدنا منفردا: أدونا كباب ضاني، وهانطلب منكم تاني. ومافتأنا نصيح حتى وجدنا عم مغاورى صاحب الحانة يدعونا للدخول إلى الحانة لنأكل ما نحب من الضاني، وبعد أن أكلنا وشبعنا، أحضر لنا آنيتين، آنية وضع فيها خمرا، وآنية وضع فيها ماءً ثم وضع دودة في آنية الماء فسبحت، ووضع دودة في آنية الخمر فتحللت، ثم قال لنا: هل فهمت معنى هذه التجربة ؟ فقال الأخ الذي يشرب من زجاجة لا نعرف كنه ما فيها: نعم فهمنا، اللى في بطنه دود يشرب خمرة علشان يخف. اقتنعنا جميعا بوجاهة الفكرة، ولكننا قلنا لعم مغاوري: ولكننا نهينا الناس عن دخول الحانة، فماذا نفعل ؟ قال الرجل وهو يعطى لنا الحل وكأنه أحد الفقهاء الذين ينتمون لجماعة الإخوان: لا تدخلوا الحانة، ولكن الحانة هي التي ستدخل عليكم، أليس كل فرد حر في أن يفعل في بيته ما يشاء ؟ قلت له: نعم، ليس لنا رقابة على البيوت. فقال بعد أن جرع جرعة من قنينة لا نعرف ما فيها: إذن فلا شيء عليَّ إن جعلت عملى دليفري، الله لم يحرم إلا الخمر، ولكنه لم يحرم الكونياك والجعة، بل إن هذه الأشياء تفتح الشهية، لكل واحد منكم زجاجة جعة أو كونياك، في مقابل أن تقوموا أنتم بتوصيل الطلبات للمنازل، وهنيئا لك يا فاعل الخير. استحسنا الفكرة ووافقنا عليها، فجل قصدنا هو الخير، فنحن "نحمل الخير" للحارة. خرجنا من الحانة لننتقل إلى النقطة الثانية من جدول الأعمال، محاربة الفجور والرذيلة والسفور، البنات العرايا اللاتى يمشين في الطرقات بلا حجاب للرأس، وكأنهن كآسيات عاريات، وقف بعضنا عند بداية الحارة ووقف البعض الآخر عند نهاية الحارة، وهاتك يا ضرب في كل متبرجة، وأصبحنا مثل اللجان الشعبية، نطلع على البطاقات الشخصية ووثائق الزواج عندما نرى أحدهم يسير مع إحداهن، ويا ويله ويا سواد ليله لو كان خاطبا فقط، ظللنا على هذا الحال حتى استقام الحال في الحارة، وأصبحت كل امرأة وفتاة من أهل الحارة محجبة رغما عن أنفها وأنف أهلها.. ولكن في يوم من الأيام حدث لنا أمر جلل لم نقابله من قبل، ففى الظلام الدامس الذي كان يغلف الحارة، إذا بنا نكتشف شابا أمرد واقفا مع فتاة متبرجة في زاوية من زوايا الحارة وكان يقبلها قبلة حارة ويفعل معها أشياء يندى لها جبين من لم يشاهد المنظر، أما من شاهد المنظر فيا بخته ويالحظه الحسن، وصلنا الخبر من الأخ صاحب الكرش، فأخذنا ننظر بأناة إلى ما يفعلون، حتى إذا فرغا من فجورهما هجمنا عليهما بغتة، صاح الأخ صاحب الكرش: سنقيم الحد عليهما، اخرجوا يا أهل الحارة لتروا العذاب المقيم، سنجلد ظهورهما، وسنجعلهما عبرة لمن يعتبر. صاح الشاب الفاجر الذي استمتع بالفتاة الفاجرة المتبرجة: انتظروا، لا يمكن أن تقيموا الحد علينا. قال له الأخ صاحب اللحية الطويلة: ولم يا حيلة أهلك ؟ قال الفتى: لأننى وفتاتى من المشركين، والحد لا يتم تطبيقه إلا على المسلم. رد صاحب اللحية وهو يهرش في لحيته: عندك حق في هذه، ولكن ماذا نفعل حيالك ؟ قال الفتى: أيها المسلمون نحن نستجير بكم. قلنا له في صوت واحد: وماذا علينا أن نفعل ؟ قال: افعلوا ما أمركم به دينكم في قرآنكم، نفذوا تعاليم ربكم. رد عليه صاحب اللحية الطويلة: وماذا قال ربنا؟ قال الفتى: قال في سورة التوبة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه..). وبما أننا جماعة الأمر بالمعروف ولا يمكن أن نخرج عن تعاليم ربنا فقد قمنا بحماية الفتى والفتاة حتى أوصلناهما خارج الحارة، واتباعا للقرآن الكريم أخذ الأخ صاحب اللحية الطويلة يقرأ عليهما بعض آيات القرآن الكريم ليسمعاها، ومن وقتها أطلق الناس الأندال على حارتنا اسم " درب المشركين" بدلا من درب المهابيل.