تصب الصحافة الألمانية غضبها على الثغرات التي يعانيها الجيش الألماني والتي ظهرت خصوصًا في أعطال أصابت طائرات سلاح الجو، لكن الخبراء يرون أن الأمر يعد نتيجة طبيعية لتقليص النفقات العسكرية في أوربا. أعرب ضباط ألمان متقاعدون وخبراء دفاع عن سخطهم لما تم الكشف عنه في مجلة "دير شبيجل" الألمانية نهاية الأسبوع الماضي، حيث أكدت المجلة أن ألمانيا لن تستطيع الإيفاء بالتزاماتها تجاه حلف الناتو بسبب نقص الجاهزية والمعدات. وتسبب التقرير في إحراج لوزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين، التي كانت حينها في زيارة إلى شمال العراق للقاء القيادات الكردية في إطار دعم ألمانيا للأكراد في قتالهم ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". كما اعترفت الوزيرة مؤخرًا لصحيفة ألمانية بأن هناك تأخيرًا كبيرًا في تجهيز قطع غيار الطائرات العسكرية الألمانية، ما ينقص عدد الطائرات الصالحة للعمل في سلاح الجو الألماني إلى الثلث. وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها "دير شبيغل" قضية النقص في شمال الأطلسي (الناتو). ففي يونيو/ حزيران 2013 قامت المجلة الألمانية بنشر وثيقة سرية للناتو، أشارت إلى 15 مشكلة بعضها كان جليًا منذ تدخل الناتو في الحرب الأهلية الليبية سنة 2011. تناول التقرير النقص في مخزون الأسلحة، والذي يشمل الصواريخ الموجهة وطائرات تزويد الوقود وأجهزة التشويش الإلكترونية ومعدات القوات الخاصة. الأمر الذي دفع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) المنتهية ولايته أنديرس فوغ راسموسن إلى القول بأن "على غالبية الحلفاء القيام بالمزيد". لكن الباحث في المعهد الملكي للخدمات والأبحاث هنريك هايدنكامب لا يشارك الإعلام الألماني قلقه من مدى جاهزية الجيش الألماني، ويقول في حوار مع قناة "DW الألمانية": "من الواضح أن هذا الأمر مشكلة معروفة منذ فترة". ويضيف الباحث بالقول: "وهو نتيجة لسياسة الإنفاق المالي التي اتبعتها ألمانيا خلال العقود الأخير، والتي طُبقت أيضًا في دول أوربية أخرى. ومن الواضح أن هناك فجوة بين ما تطمح إليه السياسة الدفاعية الأوربية وبين حجم وهيكلية الإنفاق في ميزانيات الدفاع". من جانبها ترى خبيرة شئون الأمن في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في المملكة المتحدة، كاثلين ماكينيس، بأنه خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة أصبح الناتو أكثر فاعلية. وتقول الخبيرة في حوار مع DW: "المتطلبات العسكرية آخذة بالتزايد لكن الإنفاق يتناقص"، مضيفة: "يواجه الناتو عدة أزمات على حدوده الخارجية، إذ أخذ الناتو على عاتقه مرض ايبولا في أفريقيا، ولدينا أيضًا تنظيم الدولة ولدينا ليبيا. وهذه عدد غير مسبوق من التحديات". منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل بدأ التذمر تجاه تقليص الموازنة في دول الناتو، وأكثر هذه الانتقادات وجهتها الولاياتالمتحدة، التي عادة ما تتحمل الأعباء الثقيلة للحلف. وكان آخرها عام 2011 خلال حملة الحلف العسكرية على الدكتاتور الليبي السابق معمر القذافي، والتي اعتبرت أحد نجاحات الحلف. حينها قال وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ليون بانيتا لمركز أبحاث كارنيجي ومقره بروكسل: "في حال استمرت التوجهات الحالية، فهناك أسئلة مشروعة حول قدرة تحمل الناتو لعمليات مثل التي شهدتها ليبيا وأفغانستان، دون أن تتحمل الولاياتالمتحدة أعباء إضافية". ويعني بانيتا ب"التوجهات الحالية" تخفيض ميزانيات الدفاع في جميع الدول الأعضاء بحلف الناتو، خاصة في أوربا والتي كانت في ذلك الوقت تحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية. المشكلة التي كشفت عنها "دير شبيغل"، ألا وهي نقص قطع الغيار، كانت متوقعة بالنظر إلى النفقات. وفي هذا الإطار يقول هايدنكامب: "بعد الحرب الباردة تغيرت جميع السياسات المتعلقة بتوفير قطع الغيار في القطاع العسكري الأوربي"، مضيفًا بالقول: "اعتادت الجيوش على الاحتفاظ بمخزون كبير من قطع الغيار في حالة أي حروب تقليدية مع الدول الأعضاء بحلف وارسو السابق. وهذا كان أمرًا يثقل ميزانيات الدفاع، خاصة إذا لم تكن هذه القطع تُستخدم". كشفت أحدث الإحصائيات أن ثلاث دول أوربية فقط في حلف الناتو، وهي استونيا واليونان والمملكة المتحدة، التزمت بنسبة الانفاق العسكري، التي حددها الحلف والتي تصل إلى 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. وقد ساهمت الحرب الباردة في رفع هذه النسبة، إذ كان معدل الانفاق العسكري في أوربا مع نهاية عام 1989 يبلغ 3.1 بالمئة لكنه انخفض بحلول عام 1996 إلى 2.3 بالمئة. وهذا تحول طبيعي نظرًا إلى أن الدفاع عن أوربا لم يكن على رأس سلم الأولويات في السنوات ما بين هذين العامين. لكن الضغط ازداد مع اندلاع الصراع في شرقي أوكرانيا. وحتى إذا ادعى البعض بأن الناتو والاتحاد الأوربي استفزا هذا الصراع، فإن الخوف من روسيا بات مجددًا عاملًا مهمًا لزيادة الإنفاق العسكري. في هذا السياق يشير هايدنكامب إلى أن "الأزمة الأوكرانية ساهمت في الكشف عن الثغرات داخل قدرات الدفاع الأوربية". هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل