قبل أن نعود إلى اتفاق الثرثرة حول السلام والمفاوضات التى لا طائل منها، إلى جانب زيارة الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" وتعيين زعيمة حزب الحركة "تسيبى ليفنى" على رأس المفاوضين، يجب أن نتذكر أولاً ماذا تعنى "عملية السلام". ففى الفترة الماضية كثرت الأحاديث عن السلام ومميزاته، لكن النهج والذى يتمثل فى مواصلة البناء فى المستوطنات لن يتغير، وما زالت الحكومات المتعاقبة تواصل سياسة إصدار مناقصات لبناء المزيد والمزيد من الوحدات الاستيطانية خاصة فى الجزء الموجود فى الأحياء العربية بمدينة القدس، وجميع الحكومات تغلق أذانها أمام كل النداءات الدولية والإقليمية الرافضة لذلك. إن عملية السلام التى يتحدثون عنها ليست مجرد جولة أخرى من المفاوضات، وليست لقاءات لا تنتهى أو مناسبات يتم خلالها التقاط صور، لقد مللنا هذه الأمور ولم تقدنا هذه التصرفات لأى مكان، فالحل معروف والفرصة متاحة لتنفيذه من زمن بعيد. إن مسيرة السلام الحقيقى يجب أن تبدو بشكل مختلف وألا تكون وفقاً لخطة كيلنتون أو بوش، ولكن وفق تصور واقعى للسلام لاستئناف مفاوضات جادة مباشرة بين الجانبين الفلسطينيى والإسرائيلى، فخطة مثل هذه لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع إلا بعد تقديم تنازلات وأن تبدأ إسرائيل فى إثبات حسن النوايا الذى يتغيب دائماً على طاولة المفاوضات بالنسبة لإسرائيل وأن تكون هناك مسيرة سياسية حقيقية تدخل حيز التفيذ بشكل فعلى. بعد مرور 46 عاما من الاحتلال، فإن عبء إثبات حسن النية يقع على عاتق إدارة دولة إسرائيل لأنها الفاعل وليس المفعول به، أما السلطة الفلسطينية فقد أثبتت نواياها منذ أمد بعيد من خلال الالتزام بما تمليه عليها الإدارة الإسرائيلية من وقف لعمليات الإرهاب والتعاون الأمنى مع إسرائيل. إثبات النية الإسرائيلى يجب أن يأتى الآن بالأفعال وليس بالكلام، لذا يتوجب عليها اتخاذ سلسلة من الخطوات مرة واحدة تسمى "ببناء الثقة"، فدونها لا يكون للفلسطينيين سبب لانضمامهم فى هذه المهزلة، والذى يعد غرضها الوحيد إرضاء إسرائيل وأمريكا وأن تلاقى استحسان أوربا. إذا أرادت إسرائيل أن تنفذ عملية بناء الثقة فعليها أولاً تجميد الاستيطان فى المستوطنات ويلى ذلك إطلاق صراح السجناء، والذين معظمهم سجناء سياسيين ولا يحصلون على أى حقوق. ثم يجب أن تتوقف السرقة والسلب والتطهير العرقى فى وجنوب الخليل، والتوقف عن ترحيل الرعاة والمزارعين من أراضيهم وأن تكف عن عمليات الطرد المقنع التى تقوم بها، وأن تكف عن الغارات الليلية على القرى الفلسطينية وعن اعتقال الأطفال والمحتجين، كل هذه الخطوات ممكنة ولا مفر منها بالنسبة لأولئك الذين يعتزمون تغيير السياسة الحالية وخلق مسيرة حقيقية للسلام. * نقلاً عن هاآرتس