بين ليلة وضحاها، تحول الحديث عن «أخونة» الدولة، من خلال الجماعة التي تصدرت المشهد عبر ثورة يناير، إلى اتجاه آخر، ونموذج يسعى أشخاص بأعينهم إلى فرضه، وهو مصر الشيعية، عبر التقارب الذي ظهرعلى السطح بين الإخوان والنظام الإيراني. السطور السابقة ليست من وحي الخيال، وشائعات مغرضة، مثلما تتهم «الجماعة» وسائل الإعلام بترويجها، بل حقائق يدعمها طلب المرشد الأعلى للثورةالإيرانية على خامنئى،من الرئيس محمد مرسى بتبنى النموذج الإيرانى، والانضمام إلى طهران فى بناء الحضارة الإسلامية الجديدة، استنادا إلى تعاليم الإمام الراحل آية الله الخمينى . «فيتو» أجرت مواجهة بين الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ ورئيس قسم الفقة المقارن بكلية الشريعة والقانون، والدكتور أحمد راسم النفيس، المفكر الشيعي، للتعرف على وجهة نظرهما في «ولاية الفقيه»، وطبيعة الدولة في المرحلة المقبلة. دافع المفكر الشيعي، الدكتور أحمد راسم النفيس، عن الدعوة الإيرانية لتطبيق منهج ولاية الفقيه في مصر، مؤكداً أنها الحل الأمثل للخروج بالبلاد من المأزق الراهن. وقال «النفيس» إن المقترح الذى تقدم به مجموعة من المفكرين الإيرانيين يعني استلهام منهج ولاية الفقيه، وليس تطبيقه في مصر، ويتضمن تشكيل مجلس حكماء، كما تنادى المعارضة، مستبعداً أن يكون على خامنئي، المرشد الأعلى الإيرانى، له علاقة بالرسالة، ومتسائلاً: «ما حاجة المرشد لتوقيع آخرين معه على الرسالة؟». وأوضح «النفيس» أن المجلس يتكون من مجموعة من رجال السياسة والفقهاء الدستوريين والقانونيين، هم بمثابة مرجعية للرئيس فى كل الأمور التى تدور بالبلاد، حتى لا تتسبب القيادة المنفردة في تلك الأزمات والاحتجاجات التى نراها فى الشوارع. وتابع قائلاً: «حال تشكيله سيكون الحل الأمثل لخروج مصر من أزمتها، خاصةً فى ظل انقسامها لفريق يدعى أنه يتحدث باسم الدين، وفريق آخر معارض، أغلبه لا يؤيد تطبيق الشريعة، ويختص المجلس أيضاً بوضع خطوط عريضة متفق عليها، وتحدد كيفية تطبيق الشريعة، ليقبل بها الجميع». وبسؤاله عن دور المجلس في وجود رئيس الجمهورية، أكد «النفيس» أن الأول يكون بمثابة مرجعية فوق السلطة التنفيذية، ويضع الخطوط العريضة لإدارة البلاد والعباد، مشيراً إلى أن الأزهر الشريف يعد نوعاً من ولاية الفقيه، لكنه ناقص، كونه استشارياً فقط، مثلما حدث فى موضوع الصكوك الإسلامية، وحينما اعترض الأزهر قرروا استبدال كلمة «إسلامية» ب«سيادية» لتمرير المشروع. وشدد المفكر الشيعي، على أن كلاً من الأزهر ومكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، لا يصلحان للقيام بدور ولاية الفقيه، أو مجلس الحكماء، لأن كليهما يمتلك جانبا واحدا فقط من الحقيقة. واعترض «النفيس» على اتخاذ الرسالة ذريعة لرفض رفع درجة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، موضحا أن التخوف من انتشار المنهج الشيعى فى مصر وصل لحد «الهلوسة». وأشار «النفيس» إلى ما ذكره أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق، فى مذكراته بأن مبارك كان يبتعد عن إيران لإرضاء السعودية، مؤكداً أن تقوية العلاقة بين القاهرةوطهران يدعم الاستقلال من خط التبعية للولايات المتحدة وسياستها الخارجية. وتساءل النفيس : «لماذا يتم السماح للسفيرة الأمريكية والاتحاد الأوروبى بالتحدث عن مصر وأمورها الداخلية، ويشن هجوم على إيران حينما تعلن عن موقفها صراحةً من مصر؟، فى حين أنه وفقا لما نشر فإن المشروع الإقتصادى الوحيد القابل للتنفيذ، هو المشروع الإقتصادى الإيرانى». ونفى المفكر الشيعى علمه بما نشر عن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين، وجهاز المخابرات الإيرانى، لإنشاء جهاز استخباراتي خاص بالجماعة. فى المقابل صوب أستاذ ورئيس قسم الفقة المقارن بكلية الشريعة والقانون، الدكتور سعد الدين الهلالى، نيران هجومه على أنصار المعسكر الإيراني في مصر، رافضاً محاولات تطبيق ولاية الفقيه، ونموذج طهران الديني في بلاد السنة. وشدد «الهلالي» على أن الدولة الدينية لا مكان لها في الإسلام، وأن ولاية الفقيه مبدأ لايتماشى مع الدولة التى تدين بالإسلام، خاصةً أنها تعني أن الوالى بالفقه هو الوالي عن الله، ومتحدث باسم الله فى الأرض. وتابع قائلاً: «إن هذا المبدأ ظهر فى الفكر الشيعي، ويجعل هناك فقيها يملي الأمر للفقهاء فى الأمصار - أي الولايات التابعة للدولة -ويرى من يحكم باسم الله أن رأيه هو الصواب، وهو مبدأ ظهر أيضا مع الخوارج فى عهد سيدنا علي بن أبى طالب، كرم الله وجهه». ونفى «الهلالي» أن يكون القرآن الكريم أو السنة النبوية أو إجماع الجمهور، تعرضوا لمبدأ ولاية الفقيه، مؤكداً أنه لم يرد عن الصحابة والتابعين، كونه أمراً خاصا بالشيعة ويتعارض مع تعاليم الإسلام. كان المرشد الأعلى الإيرانى، على خامنئى، طالب الرئيس محمد مرسى بتبنى النموذج الإيرانى والانضمام إلى طهران فى بناء الحضارة الإسلامية الجديدة. وأشارت صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة من لندن، إلى أن مصادر أمنية رفيعة المستوى بالقاهرة، قالت لها، إن «الرئاسة المصرية تلقت عدة رسائل من جهات إيرانية رسمية وأخرى محسوبة على النظام فى طهران، من أجل حث مصر على قبول التعاون معها فى المجالات، الاقتصادية، والسياسية، والأمنية والتقنية، لكن المصادر نفسها تحدثت عن وجود خلافات داخل مؤسسات الدولة الرسمية بشأن الموافقة على الطلبات الإيرانية». وتأتى دعوة «خامنئي» للرئيس مرسى فى شكل خطاب مكون من 1200 كلمة، وتم التوقيع عليه بالنيابة عن الخمينى من قبل مستشاريه المقربين البالغ عددهم 17، بمن فى ذلك «مستشار شؤون السياسة الخارجية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية» على أكبر ولايتى. وبدأ الخطاب بتوجيه التهنئة لمرسى بمناسبة الذكرى السنوية الثانية للثورة المصرية وانتخابه رئيسا للبلاد، ويقول الخطاب، إن «إيران أصبحت تحت ولاية الفقيه واحدة من أكثر دول العالم تقدما، فى مجموعة من المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية». ويشير الخطاب إلى أن «الحق فى حكم المجتمعات البشرية يعود إلى الله ورسوله وأهل البيت»، كما يؤكد أن أفضل مسار فى الحياة هو المستوحى من ولاية الفقيه.